الْأَمْرُ الثَّانِي: إذَا تَضَمَّنَ رَفْعَ الْحَرَجِ إمَّا خَاصًّا أَوْ عَامًّا، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، أَوْ لَا، يَقْضِي بِكَوْنِهِ مُبَاحًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ نَدْبًا، بَلْ يُحْتَمَلُ، فَيَتَوَقَّفُ؟ ذَهَبَ الْقَاضِي إلَى الثَّانِي، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الِاسْتِبَاحَةِ لِمَا أَقَرَّ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا إلْكِيَا، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُبَاحٌ بِالْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِسَبَبٍ، وَهَذَا مِنْهُمْ تَعَلُّقٌ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُبَاحٌ بِالشَّرْعِ حِينَ أُقِرُّوا عَلَيْهَا، وَهُمَا الْوَجْهَانِ فِي أَصْلِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، هَلْ كَانَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ حَتَّى حَظَرَهَا الشَّارِعُ أَوْ عَلَى الْحَظْرِ حَتَّى أَبَاحَهَا؟ وَلَمْ يَقِفْ الشَّيْخُ السُّبْكِيُّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَسَأَلَهُ الصَّدْرُ بْنُ الْوَكِيلِ، فَلَمْ يَسْتَحْضِرْ فِيهِ نَصًّا، وَرَجَّحَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ، حَتَّى يُعْرَفَ حُكْمُهُ. فَمِنْ هُنَا دَلَّ التَّقْرِيرُ عَلَى الْإِبَاحَةِ
[شُرُوطُ حُجِّيَّةِ التَّقْرِيرِ]
[شُرُوطُ حُجِّيَّةِ التَّقْرِيرِ] إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّمَا يَكُونُ التَّقْرِيرُ حُجَّةً بِشُرُوطٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِ التَّقْرِيرِ، وَخَرَجَ مِنْ هَذَا مَا فُعِلَ فِي عَصْرِهِ مِمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَالِبًا، كَقَوْلِهِمْ: كُنَّا نُجَامِعُ وَنَكْسَلُ، وَمَا فُعِلَ فِي عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمْ يُعْلَمْ انْتِشَارُهُ انْتِشَارًا يَبْلُغُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَهَلْ يُجْعَلُ ذَلِكَ سُنَّةً وَشَرِيعَةً مِنْ شَرَائِعِهِ؟ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُلَخَّصِ " بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute