بِرَفْعِ الْحَرَجِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا دَلَّ التَّقْرِيرُ عَلَى انْتِفَاءِ الْحَرَجِ، فَهَلْ يَخْتَصُّ بِمَنْ قُرِّرَ، أَوْ يَعُمُّ سَائِرَ الْمُكَلَّفِينَ؟ فَذَهَبَ الْقَاضِي إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّقْرِيرَ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ تَعُمُّ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا ارْتَفَعَ فِي حَقِّ وَاحِدٍ ارْتَفَعَ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَذَهَبَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى الثَّانِي، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخِطَابِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ، وَاخْتَارَهُ الْمَازِرِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ. هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّقْرِيرُ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا، وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ لِذَلِكَ الْفِعْلِ مَعْنًى يَقْتَضِي جَوَازَ مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لِلْعُمُومِ، فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَنْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا قُرِّرَ. وَقَالَ الرَّازِيَّ: إنْ ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْوَاحِدِ حُكْمُهُ فِي الْكُلِّ، كَانَ ذَلِكَ التَّقْرِيرُ تَخْصِيصًا فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِلَّا فَلَا، وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ عِنْدَ فَهْمِ الْمَعْنَى قَطْعَ الْإِلْحَاقِ وَالِاخْتِصَاصِ بِمَنْ قُرِّرَ فَقَطْ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ التَّعَدِّيَ إلَى الْكُلِّ، وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا سَبَقَ تَحْرِيمُهُ فَيَبْقَى تَقْرِيرُهُ نَسْخًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلَوْلَا أَنَّ التَّقْرِيرَ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ لَكَانَ تَخْصِيصًا لَا نَسْخًا، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ تَقْرِيرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلصَّلَاةِ قِيَامًا خَلْفَهُ وَهُوَ جَالِسٌ نَاسِخٌ لِأَمْرِهِ السَّابِقِ بِالْقُعُودِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute