الرَّأْيِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَمَا شَبَّهْتُ تَصَرُّفَ الْمُجْتَهِدِينَ بِالْعُقُولِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا بِتَصَرُّفِهِمْ فِي الْأَفْعَالِ الْوُجُودِيَّةِ: أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، لَا جَبْرٌ وَلَا تَفْوِيضٌ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا تَعَبُّدِيَّةٌ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا أَلْحَقَهُ بِجُحُودِ الْجَبْرِيَّةِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا قِيَاسِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَأَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي التَّصَرُّفِ أَلْحَقَهُ بِتَهَوُّرِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْحَقُّ فِي التَّوَسُّطِ {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧] قُلْت: وَمِنْ الْبَلِيَّةِ اقْتِصَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْقِيَاسِ وَعَدَمُ بَحْثِهِمْ عَنْ النَّصِّ فِيهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ لَوْ تَطْلُبُوهُ.
[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ]
أَيْ أَدِلَّتِهِ، خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَإِلْكِيَا، وَاخْتَلَفَتْ مَآخِذُهُمْ: فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ هِيَ الْمُثْمِرَةُ، وَالْأَحْكَامُ وَالْقِيَاسُ مِنْ طُرُقِ الِاسْتِثْمَارِ، فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ مِنْ حَيْثُ مَعْقُولُ اللَّفْظِ وَأَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ دَلَالَةٌ مِنْ حَيْثُ صِيغَتُهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ الدَّلَالَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى الْمَقْطُوعِ بِهِ، وَالْقِيَاسُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ. ثُمَّ اعْتَذَرَ عَنْ إدْخَالِهِ فِي الْأُصُولِ بِقِيَامِ الْقَاطِعِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَهَذَا فَرْعٌ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ قَطْعِيًّا - كَمَا سَيَأْتِي - لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ عِبَارَةٌ عَنْ أَدِلَّةٍ فَقَطْ، سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْمَقْطُوعِ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute