وَقَدْ بَالَغَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُنْكِرِينَ لِهَذَا الْمَفْهُومِ. وَقَالَ: مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ، فَإِنْ سَلَّمَ الْخَصْمُ اقْتِضَاءَ الشَّرْطِ تَخْصِيصَ الْجَزَاءِ بِهِ تَعَدَّيْنَا هَذِهِ الرُّتْبَةَ، وَإِنْ اسْتَقَرَّ عَلَى النِّزَاعِ اكْتَفَيْنَا بِنِسْبَتِهِ إلَى الْجَهَالَةِ بِاللِّسَانِ أَوْ الْمُرَاغَمَةِ وَالْعِنَادِ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْعَرَبِ قَاطِبَةً أَنَّهَا وَضَعَتْ بَابَ الشَّرْطِ لِتَخْصِيصِ الْجَزَاءِ بِهِ. فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: مَنْ أَكْرَمَنِي أَكْرَمْته، فَقَدْ أَشْعَرَ بِاخْتِصَاصِ إكْرَامِهِ بِمَنْ يُكْرِمُهُ. وَمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ وَضْعُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنْ يُكْرِمَ مُكْرِمَهُ، وَيُكْرِمَ غَيْرَهُ أَيْضًا، فَقَدْ آلَ الْكَلَامُ مَعَهُ إلَى التَّسْفِيهِ وَالتَّجْهِيلِ وَالْإِحَالَةِ عَلَى تَعَلُّمِ مَذْهَبِ الْعَرَبِ.
قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ: لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَنْ أَكْرَمَنِي أَكْرَمْته كَمَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ إكْرَامِ مُكْرِمِهِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ، هَلْ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ إكْرَامِ غَيْرِ مُكْرِمِهِ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَمْ لَا؟ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يُوضَعْ لَأَنْ يُكْرِمَ مُكْرِمَهُ وَيُكْرِمَ غَيْرَ مُكْرِمِهِ، فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى إثْبَاتِ إكْرَامِ غَيْرِ مُكْرِمِهِ بِالِاتِّفَاقِ، لَا بِالْمَنْطُوقِ وَلَا بِالْمَفْهُومِ، وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ مُنْكِرِي الْمَفْهُومِ. وَإِنَّمَا قَالُوا: إنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا إكْرَامَ مُكْرِمِهِ خَاصَّةً، وَأَمَّا غَيْرُ مُكْرِمِهِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذَا الْوَعْدِ. وَلَا دَلَالَةَ لِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى إكْرَامِهِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَهَذَا غَيْرُ مُحَالٍ وَلَا مُنَافٍ لِاخْتِصَاصِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ.
[تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ الشَّرْطَ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ]
تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: سَبَقَ فِي التَّخْصِيصِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّرْطِ خِلَافٌ فِي أَنَّ مَجْمُوعَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ، وَالْحُكْمُ هُوَ الْجَزَاءُ، وَالشَّرْطُ قَيْدٌ بِمَنْزِلَةِ الْحَالِ. وَهُوَ أَصْلُ الْخِلَافِ هُنَا. فَعَلَى الثَّانِي يُجْعَلُ التَّعْلِيقُ إيجَادًا لِلْحُكْمِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute