للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِذَلِكَ إثْبَاتُ إمَامَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالتَّوَاتُرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ لَنَا لِاعْتِقَادِ مُتَابِعِي النَّصِّ لِأَجْلِ الشُّبَهِ الْمَانِعَةِ لَنَا عَنْهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَقْوَى عَلَى دَفْعِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ عَقِبَ التَّوَاتُرِ بِالْعَادَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ، فَجَازَ إخْلَافُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ السَّامِعِينَ، فَيَحْصُلُ لِلسَّامِعِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ اعْتَقَدَ نَقِيضَ ذَلِكَ الْحُكْمِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ إذَا اعْتَقَدَ نَقِيضَهُ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ بَاطِلُ بِآيَةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ، فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَوَى فِي الْعِلْمِ بِتَوَاتُرِهَا مَنْ اعْتَقَدَ ظَاهِرَهَا، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ، وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: هَذَا وَإِنْ بَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ الْفَاسِدِ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُجَوَّزَ صِدْقُ مَنْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ الْكِبَارِ، وَالْحَوَادِثَ الْعَظِيمَةَ بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ؛ لِأَجْلِ شُبْهَةٍ اعْتَقَدَهَا فِي نَفْيِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ بَاطِلٌ.

[الْأَوَّلُ التَّوَاتُرَ يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ]

ثُمَّ فِيهِ مَسَائِلُ. الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّوَاتُرَ يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَزَعَمَ النَّظَّامُ وَأَتْبَاعُهُ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا، وَأَنَّ الْحُجَّةَ فِيمَا غَابَ عَنْ الْحَوَاسِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْخَبَرِ الَّذِي يَضْطَرُّ سَامِعُهُ إلَى أَنَّهُ صِدْقٌ، سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِهِ جَمْعٌ أَوْ وَاحِدٌ. وَأَجَازَ إجْمَاعُ أَهْلِ التَّوَاتُرِ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ وَاقِعًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ بَاطِلٌ.

[الثَّانِيَةُ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ]

الثَّانِيَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ أَمْرٍ مَوْجُودٍ فِي زَمَانِنَا كَالْإِخْبَارِ عَنْ الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ، وَالْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ، كَوُجُودِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَتْ السُّمَنِيَّةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>