للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ]

ٍ] وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِالْأَصْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ لَا تُعَلَّلُ بِالْغَرَضِ.

قُلْت: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَحْكَامَ غَيْرُ الْأَفْعَالِ. قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ ": نَدَّعِي شَرْعِيَّةَ الْأَحْكَامِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَلَا نَدَّعِي أَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَذَلِكَ لَيْسَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَنَدَّعِي إجْمَاعَ الْأُمَّةِ، وَلَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ إجْمَاعَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى ذَلِكَ، بِمَعْنَى أَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بَلَّغُوا الْأَحْكَامَ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ بِهَا غَايَةَ الظُّهُورِ مُطَابَقَتُهَا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ثُمَّ انْقَسَمَ النَّاسُ إلَى مُوَفَّقٍ وَغَيْرِهِ، فَالْمُوَفَّقُ طَابَقَ فِعْلَهُ وَتَرَكَهُ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَفَازَ بِالسَّعَادَتَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ، وَالْمَخْذُولُ بِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأَمْرُ فِيهِمَا لَيْسَ إلَّا لِخَالِقِ الْعِبَادِ. انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْهَرَوِيُّ أَنَّ رِعَايَةَ الْمَصَالِحِ لَمْ تَخُصَّ شَرِيعَتَنَا بَلْ كَانَ مَعْهُودًا فِي الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَلَيْهَا انْبَنَتْ وَوَقَفَ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ الْمُقْتَرِحُ وَقَالَ: لَا عِلْمَ لَنَا بِذَلِكَ، وَقَطَعَ بِهِ الْإِبْيَارِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ: لَيْسَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ شَرِيعَةَ عِيسَى لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ فِيهَا مَشْرُوعًا، وَقَدْ أُرِيدَ بِهَا صَلَاحُ الْخَلْقِ إذْ ذَاكَ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِصَاصِ مِنْ شَرِيعَةِ عِيسَى بَاطِلٌ بَلْ كَانَ مَشْرُوعًا وَإِنَّمَا الَّذِي لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا الدِّيَةُ، وَيَتَلَخَّصُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

ثَالِثُهَا: الْوَقْفُ. فَإِنْ قُلْتَ: إذَا كَانَتْ كُلُّ شَرِيعَةٍ انْبَنَتْ عَلَى مَصَالِحِ الْخَلْقِ إذْ ذَاكَ فَبِمَاذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>