اخْتَصَّتْ شَرِيعَتُنَا حَتَّى صَارَتْ أَفْضَلَ الشَّرَائِعِ وَأَتَمَّهَا؟ قُلْت: بِخَصَائِصَ عَدِيدَةٍ: مِنْهَا: نِسْبَتُهَا إلَى رَسُولِهَا وَهُوَ أَفْضَلُ الرُّسُلِ. وَمِنْهَا: نِسْبَتُهَا إلَى كِتَابِهَا وَهُوَ أَفْضَلُ الْكُتُبِ: وَمِنْهَا اسْتِجْمَاعُهَا لِمُهِمَّاتِ الْمَصَالِحِ وَتَتِمَّاتِهَا وَلَعَلَّ الشَّرَائِعَ قَبْلَهَا إنَّمَا انْبَنَتْ عَلَى الْمُهِمَّاتِ وَهَذِهِ جَمَعَتْ الْمُهِمَّاتِ وَالتَّتِمَّاتِ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» «وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا» إلَى قَوْلِهِ: «فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةُ» يُرِيدُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجْرَى عَلَى يَدِهِ وَصْفَ الْكَمَالِ وَنُكْتَةَ التَّمَامِ. وَيَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ نُكْتَةِ الْكَمَالِ حُصُولُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْأَصْلِ دُونَ الْعَكْسِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ أَحْكَامَهُ تَعَالَى غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لِغَرَضٍ، وَلَا يَبْعَثُهُ شَيْءٌ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، بَلْ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إيجَادِ الْمَصْلَحَةِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا وَإِعْدَامِ الْمَضَارِّ بِدُونِ دَوَافِعِهَا. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: الْأَحْكَامُ مُعَلَّلَةٌ وَلَمْ يُخَالِفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ بَلْ عَنَوْا بِالتَّعْلِيلِ الْحِكْمَةَ وَتَحَجَّرَ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَاسِعًا فَزَعَمُوا: أَنَّ تَصَرُّفَهُ تَعَالَى مُقَيَّدٌ بِالْحِكْمَةِ مُضَيَّقٌ بِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ. وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ مَا يَجْنَحُ إلَيْهِ، وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمْ، وَكَذَا نَبِيذُ التَّمْرِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ خِلَافًا لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute