[مَسْأَلَةٌ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ]
مَسْأَلَةٌ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ، فَيَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفِهِ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ مَاذَا؟ لَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيرِهِ، فَنَقُولُ: لَيْسَ الْخِلَافُ فِي مَعْنَى لَفْظِ الْجَمْعِ الْمُرَكَّبِ مِنْ " الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَالْعَيْنِ " كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ، وَسُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ " فَإِنَّ " ج م ع " مَوْضُوعُهَا يَقْتَضِي ضَمَّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَذَلِكَ حَاصِلٌ فِي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَمَا زَادَ، بِلَا خِلَافٍ.
قَالَ سُلَيْمٌ بَلْ قَدْ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ، كَمَا يُقَالُ: جَمَعْت الثَّوْبَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِ " التَّرْتِيبِ " وَأَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ مَحَلُّ وِفَاقٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَفْظُ الْجَمْعِ فِي اللُّغَةِ لَهُ مَعْنَيَانِ: الْجَمْعُ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ جَمَعَ يَجْمَعُ جَمْعًا وَالْجَمْعُ الَّذِي هُوَ لَقَبٌ، وَهُوَ اسْمٌ لِعَدَدٍ وُضِعَ فَوْقَ الِاثْنَيْنِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، وَهَذَا اللَّقَبُ لِهَذَا الْعَدَدِ كَسَائِرِ الْأَلْقَابِ كَزَيْدٍ وَحِمَارٍ وَنَارٍ.
وَقَالَ: وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ إلَى هَذَا الْفَرْقِ خَلَطَ الْبَابَ، فَظَنَّ أَنَّ الْجَمْعَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى اللَّقَبِ مِنْ جُمْلَةِ الْجَمْعِ الَّذِي بِمَعْنَى الْفِعْلِ، فَقَالَ: إذَا كَانَ الْجَمْعُ مِنْ الضَّمِّ فَالْوَاحِدُ إذَا أُضِيفَ إلَى الْوَاحِدِ فَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا، وَثَبَتَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ أَقَلُّ الْجَمْعِ. وَخَالَفَ بِهَذَا الْقَوْلِ جَمِيعَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَسَائِرَ مَنْ كَانَ مِثْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ: إنَّ هَذَا الْمُخَالِفَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيَّ حَكَى عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي أُصُولِهِ: أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَضَعَّفَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ اثْنَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute