[الْمَوْطِنُ السَّادِسُ يَقَعُ الْخَبَرُ الْمُوجَبُ بِهِ مَوْقِعَ الْأَمْرِ وَبِالْعَكْسِ]
ِ فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ لِيُرْضِعْنَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ فِي الْوَاقِعِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ - تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الصف: ١٠ - ١١] ثُمَّ قَالَ: {يَغْفِرْ لَكُمْ} وَالْمَعْنَى: آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ، هَكَذَا جَعَلَ النُّحَاةُ يَغْفِرْ جَوَابًا لِ {تُؤْمِنُونَ} ؛ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ آمِنُوا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِ {هَلْ أَدُلُّكُمْ} عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: هَلْ تَأْتِينِي أُكْرِمْكَ؛ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ لَا تَجِبُ بِالدَّلَالَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْإِيمَانِ، وَقَوْلُهُ {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] وَقِيلَ: إنَّهُ نَهْيٌ مَجْزُومٌ، وَلَكِنْ ضُمَّتْ السِّينُ إتْبَاعًا لِلضَّمِيرِ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: ٧٥] الْمَعْنَى: مَدَّ. وَقَوْلُهُمْ فِي التَّعَجُّبِ: أَحْسِنْ بِزَيْدٍ، كَقَوْلِهِ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: ٣٨] أَيْ مَا أَسْمَعَهُمْ وَأَبْصَرَهُمْ، وَقَوْلُهُ: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] قِيلَ: إنَّهُ خَبَرٌ مَنْفِيٌّ وَاقِعٌ مَوْقِعَ النَّهْيِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَمَنَعَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالسُّهَيْلِيُّ وُرُودَ الْخَبَرِ مُرَادًا بِهِ الْأَمْرَ، وَقَالَ: هُوَ بَاقٍ عَلَى خَبَرِيَّتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْخُلْفَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُصَاةِ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ أَيْ أَنَّ حُكْمَهُنَّ أَنْ يَجِبَ أَوْ يُشْرَعَ رَضَاعُهُنَّ أَوْ عَلَيْهِنَّ الرَّضَاعَةُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، بَلْ قِيلَ: إنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْأَمْرِ الْمَحْضِ. إذَا عَلِمْتَ هَذَا، وَوَرَدَ الْخَبَرُ مُرَادًا بِهِ الْأَمْرَ، فَهَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ إذَا قُلْنَا: الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ؟ أَوْ يَكُونُ مَخْصُوصًا بِالصِّيغَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute