وَاَلَّذِي يُقَالُ فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ سَبَقَ لِنَفْيِ إلَهِيَّةِ مِثْلِ هَذَا؛ بَلْ بَيَّنَ جَهْلَهُمْ إذْ ادَّعَوْا الْوَلَدِيَّةَ فِيهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ دَعْوَى الشَّرْطِ أَسْهَلُ مِنْ إثْبَاتِ الْوَلَدِيَّةِ لَهُ، أَوْ عَلَى طَرِيقِ الْحِكَايَةِ، أَيْ قَالُوا: هَذِهِ الْعِبَارَةَ الْمُنْكَرَةَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا قَالُوا خَبَرًا عَنْهَا، فَلَا يُقَدَّرُ هُنَاكَ مَحْذُوفٌ أَصْلًا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته فِي كِتَابٍ الْبُرْهَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَالَ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَكِيلُ فُلَانٍ: إنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالتَّوْكِيلِ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِالْبُنُوَّةِ، فَلَيْسَ لَهُ إنْ نُوزِعَ فِي مُحَاكَمَةٍ أُخْرَى فِي الْبُنُوَّةِ أَنْ يَقُولَ: هَذَانِ شَهِدَا لِي بِالْبُنُوَّةِ لِقَوْلِهِمَا فِي شَهَادَةِ التَّوْكِيلِ: إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ لَهُ بِالْوَكَالَةِ أَصْلًا وَبِالنِّسْبَةِ ضِمْنًا، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي " فِي بَابِ التَّحَفُّظِ فِي الشَّهَادَةِ وَالْعِلْمِ بِهَا، وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " وَالْهَرَوِيُّ فِي الْأَشْرَافِ ". فَإِنْ قُلْتَ: فَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قُلْتُ: لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّا لَمَّا صَدَّقْنَا الشَّاهِدَيْنِ كَانَ قَوْلُهُمَا مُتَضَمِّنًا لِذَلِكَ. نَعَمْ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ {امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: ٩] وَبِقَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: ٤] . فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ سَمَّى كُلًّا مِنْهُمَا امْرَأَةً لِكَافِرٍ، وَلَفْظُ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى الشَّرْعِيِّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا زَوْجَةٌ لَهُمَا، فَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ صِدْقُ الْخَبَرِ لِلطَّرَفَيْنِ وَالنِّسْبَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute