للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوْنِهَا مِنْ السُّوَرِ كَبِيرُ أَثَرٍ فِي الدِّينِ بَعْدَ الِاهْتِمَامِ بِهِ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَمِنْهَا مَا نُقِلَ مُتَوَاتِرًا، وَمِنْهَا مَا نُقِلَ آحَادًا مَعَ أَنَّهَا أَعَاجِيبُ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ، وَكَذَا إذَا كَثُرَتْ الْمُعْجِزَاتُ، وَكَثُرَتْ فِيهَا عُسْرَتُهُمْ مِثْلُ تَشَوُّقِهِمْ إلَى نَقْلِ آحَادِهَا، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ، وَلَمْ يَهْتَمَّ عُثْمَانُ بِجَمْعِ النَّاسِ عَلَى بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ، وَحَرَصَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ؟ قُلْنَا: لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ رُكْنَ الدِّينِ اسْتَوَتْ الْأُمَّةُ فِي الِاعْتِنَاءِ بِهِ، فَلَمْ نُجِزْ أَنْ يُنْقَلَ بَعْضُهُ مُتَوَاتِرًا وَبَعْضُهُ آحَادًا مَعَ اسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، بِخِلَافِ بَاقِي الْمُعْجِزَاتِ، فَإِنَّهُمْ اعْتَنَوْا بِنَقْلِ مَا يَبْقَى رَسْمُهُ أَبَدَ الدَّهْرِ، وَقَدْ صَنَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي هَذَا النَّوْعِ كِتَابِ الِانْتِصَارِ "، وَمَا أَعْجَبَهُ مِنْ كِتَابٍ، فَقَدْ أَزَالَ بِهِ الْحَائِكَ عَنْ صُدُورِ الْمُرْتَابِينَ.

وَمِنْهَا: لَوْ غَصَّ الْمَجْلِسُ بِجَمْعٍ كَثِيرٍ، وَنَقَلَ كُلُّهُمْ عَنْ صَاحِبِ الْمَجْلِسِ حَدِيثًا، وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ ثِقَةٌ بِنَقْلِ زِيَادَةٍ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا تُرَدُّ، وَإِلَّا لَنَقَلَهَا الْبَاقُونَ، وَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنَّ انْفِرَادَ بَعْضِ النَّقَلَةِ بِمَزِيدِ حِفْظٍ لَا يُنْكَرُ، وَالْقَرَائِحُ وَالْفِطَنُ تَخْتَلِفُ، وَلَيْسَتْ الرِّوَايَاتُ مِمَّا تَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، حَتَّى لَا يَشِذَّ شَيْءٌ مِنْهَا، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَنَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ رَدَّ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَسِّ الذَّكَرِ، وَالْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ ": وَإِنَّمَا قُبِلَتْ مِنْ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْإِخْبَارُ بِهَا بِحَضْرَةِ مَنْ يَجِبُ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى النَّقْلِ وَالْإِظْهَارِ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ يُلْقِيهِ إلَى الْآحَادِ.

[الثَّالِثُ مَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ فُتِّشَ عَنْهُ فَلَمْ يُوجَدْ فِي بُطُونِ الْكُتُبِ وَلَا فِي صُدُورِ الرُّوَاةِ]

الثَّالِثُ: مَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ فَتَّشَ عَنْهُ فَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>