للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِ مَنْسُوخًا، لِأَنِّي لَا أَدْرِي هَلْ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ النَّسْخِ وَاقِعٌ لِهَذَا أَوْ لِغَيْرِهِ، فَلَا أَتْرُكُ مَا ثَبَتَ أَمْرُهُ حَتَّى أَعْلَمَ خِلَافَهُ انْتَهَى.

[التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْمُخَصِّصِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ]

[اخْتِلَافُ الْأُصُولِيِّينَ فِي تَحْدِيدِ مَذْهَبِ الصَّيْرَفِيِّ]

وَإِنَّمَا حَكَيْت كَلَامَ الصَّيْرَفِيِّ بِنَصِّهِ لِعِزَّةِ وُجُودِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ أَغْلَاطٌ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَكَابِرِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ، فَأَرَدْت الِاسْتِظْهَارَ فِي ذَلِكَ، وَبَيَانُهُ بِأُمُورٍ:

أَحَدِهَا: قَالُوا: إنَّ قَوْلَ الصَّيْرَفِيِّ: يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْمُخَصِّصِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ؛ أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَظُنَّ عُمُومَهُ إذْ ذَاكَ، إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ حُكْمًا وَالتَّمَسُّكُ بِالدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ قَاطِعًا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ. وَالثَّانِيَ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ بِعُمُومِهِ إذْ ذَاكَ، لَكِنْ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي نَقْلًا عَنْهُ، فَأَغْلَظَ الْقَوْلَ عَلَيْهِ.

قُلْت: وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ نَصَبَ خِلَافَ الصَّيْرَفِيِّ فِي وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي " التَّقْرِيبِ " وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " وَلَمْ يَذْكُرُوا وُجُوبَ الْعَمَلِ، وَمَا سَكَتُوا عَنْهُ، فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمْ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَمْ يُرِدْ الرَّجُلُ هَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ اعْتِقَادَ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، قَالَ الْمُقْتَرِحُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى " الْبُرْهَانِ ": وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ إنَّمَا أَرَادَ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>