لَا يُدْرِكُ الْخَفِيُّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَهُ فِيهَا وَإِلَّا عَادَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْعُمُومِ، قُلْنَا لَهُ: تَطْلُبُ دَلِيلَ الْخُصُوصِ فِي بَعْضِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوْ فِي كُلِّ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالَ: أَطْلُبُهُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، فَقَدْ عَمَدَ إلَى أَهْلِ الْخُصُوصِ. وَإِنْ قَالَ: أَطْلُبُهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، قُلْنَا: وَقَدْ عَلِمْت أَنَّك لَا تَبْلُغُ عِلْمَ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَتَوَقُّفُك خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. فَأَمَّا تَشْبِيهُهُمْ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَلْتَمِسُوا الْمَاءَ إلَى الطَّهُورِ، كَمَا يَلْتَمِسُوا أَهْلَ الزُّقَاقِ، وَلَمْ يُكَلَّفُوا غَيْرَ ذَلِكَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الْبَابُ الْأَخِيرُ يُعْلَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي نَقَلَ عَنْ الْأُسْتَاذِ الْوِفَاقَ فِيهَا، وَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالًا:
أَحَدُهَا: أَنْ يُخَاطِبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِاللَّفْظِ الْعَامِّ فَعَلَى الْمُخَاطَبِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ حَتَّى يَعْلَمَ خِلَافَهُ.
ثَانِيهَا: أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَا عَلَى جِهَةِ الْخِطَابِ لَهُ فَعَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ.
ثَالِثُهَا: أَنْ يَسْمَعَ الْعَامُّ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي عَصْرِهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي الْجَمِيعِ، لَكِنَّ الْحَالَةَ الْأُولَى فَرَّعَهَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي مَنْعِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ إنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ تَقْيِيدَ مَا سَبَقَ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِيهِ تَخْصِيصًا أَوْ نَاسِخًا، أَمَّا إذَا عَلِمَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَوْرَاقٍ: بَابُ الْقَوْلِ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ خَصَّ أَوْ نَسَخَ بَعْضَ حُكْمِهِ وَلَا نَعْلَمُ نَاسِخَهُ أَوْ الْبَعْضَ الْمَنْسُوخَ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُلُّ خِطَابٍ خُوطِبْت بِهِ، وَعَلِمْت أَنَّ فِيهِ خُصُوصًا أَوْ نَسْخًا وَلَمْ تَعْلَمْهُ، فَلَا تُقْدِمْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّك لَا تَتَوَجَّهُ إلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا تَعَادَلَ فِي نَفْسِك بِضِدِّهِ، فَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَلَا تُقْدِمْ عَلَيْهِ حَتَّى تَعْلَمَ الْمَرْفُوعَ مِنْ الثَّابِتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute