للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صِدْقًا، وَقَدْ يُوصَفُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِنَظَرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ مُطَابِقًا لِلْخَارِجِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلِاعْتِقَادِ، كَقَوْلِ الْكَافِرِ: أَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَعْرِيفُهُمْ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ، وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَنَى بِالْخَبَرِ الصِّدْقَ مَا يَكُونُ مُطَابِقًا لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ كَيْفَمَا كَانَ، وَبِالْكَذِبِ مَا لَا يَكُونُ مُطَابِقًا كَيْفَمَا كَانَ، فَالْعِلْمُ بِاسْتِحَالَةِ حُصُولِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا ضَرُورِيٌّ. وَإِنْ عَنَى بِهِمَا مَا يَكُونُ مُطَابِقًا وَغَيْرَ مُطَابِقٍ، لَكِنْ مَعَ الْعِلْمِ بِهِمَا، فَإِمْكَانُ حُصُولِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا مَعْلُومٌ أَيْضًا بِالضَّرُورَةِ، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ مَعْلُومًا لِمُطَابَقَتِهِ وَعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ. قُلْتُ: يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ، وَهِيَ عِبَارَةُ التَّنْبِيهِ "، أَوْ لَسْتُ مُنْكِرًا لَهُ، وَهِيَ عِبَارَةُ " الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ " فَهُوَ إقْرَارٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا وَسَاطَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَعَدَمِ الْإِنْكَارِ. فَإِنْ قُلْنَا: بَيْنَهُمَا وَسَاطَةٌ، وَهِيَ السُّكُوتُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

[الْمَوْطِنُ الرَّابِعُ فِي مَدْلُولِ الْخَبَرِ]

ِ مَدْلُولُهُ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لَا بِثُبُوتِهَا، فَإِذَا قِيلَ: زَيْدٌ قَائِمٌ، فَلَيْسَ مَدْلُولُهُ نَفْسَ ثُبُوتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ فِي الْخَارِجِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا، وَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنَّكَ حَكَمْتَ بِقِيَامِ زَيْدٍ، وَأَخْبَرْتَ عَنْهُ، ثُمَّ إنْ طَابَقَ ذَلِكَ الْوَاقِعَ، فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَإِلَّا فَلَا، هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>