وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ لَا الْخَارِجِيَّةِ، لَكِنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ إبْهَامٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قِيلَ: الْعَالَمُ حَادِثٌ، فَمَدْلُولُهُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْحُدُوثِ لِلْعَالَمِ، لَا نَفْسُ الْحُدُوثِ لِلْعَالَمِ، إذْ لَوْ كَانَ مَدْلُولُهُ نَفْسَ ثُبُوتِ الْحُدُوثِ لِلْعَالَمِ، لَكَانَ حَيْثُمَا وَجَدْنَا قَوْلَنَا: الْعَالَمُ مُحْدَثٌ، كَانَ الْعَالَمُ مُحْدَثًا لَا مَحَالَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ خَبَرًا، وَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ مَدْلُولَ الصِّيغَةِ هُوَ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ، لَا نَفْسِ النِّسْبَةِ. انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ الْقَرَافِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاصِلِ " وَالتَّحْصِيلِ " عَلَى قَوْلِهِ: " وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْكَذِبُ خَبَرًا "، وَقَالُوا: صَوَابُهُ الْعَكْسُ، أَيْ لَا يَكُونُ الْخَبَرُ كَذِبًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَحَقُّقَ الْكَذِبِ لَا بِصِيغَتِهِ الْخَبَرِيَّةِ، وَالْوَاقِعُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، انْتِفَاءُ الْكَذِبِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ:؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ إذَا تَعَذَّرَ لَا يَتَّصِفُ الْخَبَرُ أَبَدًا إلَّا بِالصِّدْقِ فَلَا يَكُونُ كَذِبًا، وَأَمَّا الْكَذِبُ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ مُتَعَذَّرٌ مُطْلَقًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِنَا: لَا يَكُونُ الْكَذِبُ خَبَرًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَبَرٍ، وَالتَّعَذُّرُ فِي نَفْسِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُوجَدُ مَعَ الْخَبَرِ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: الصَّوَابُ عِبَارَةُ الْإِمَامِ، وَالِانْتِقَادَاتُ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ، أَمَّا تَقْرِيرُ عِبَارَتِهِ، فَلِأَنَّ مَدْلُولَ النِّسْبَةِ لَوْ كَانَ ثُبُوتِيًّا، لَكَانَ الْكَذِبُ غَيْرَ خَبَرٍ، لَكِنَّ اللَّازِمَ مُنْتَفٍ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ صِدْقٌ وَكَذِبٌ، فَالْمَلْزُومُ مُنْتَفٍ، وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ ثُبُوتَ النِّسْبَةِ وَوُقُوعَهَا فِي الْخَارِجِ قَدْ يَكُونُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ كَذِبًا، وَهُوَ وَاضِحٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute