فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَأَدِلَّتُهَا قَطْعِيَّةٌ، وَالْمُخَالِفُ فِيهَا آثِمٌ مُخْطِئٌ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " شَرْحِ الْعُمَدِ ": لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَا يَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٌ مُصِيبًا، بَلْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْفِقْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ، قَالَ: وَالْمُخْطِئُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ يَلْحَقُ بِأُصُولِ الدِّينِ. كَذَا قَالَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَقَدْ خَالَفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي مَسَائِلَ ضَعِيفَةِ الْمَدَارِكِ، كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ، وَالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحُرُوبِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَنْبَغِي تَأْثِيمُهُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً، كَمَا أَنَّا فِي أُصُولِ الدِّينِ لَا نُؤَثِّمُ مَنْ يَقُولُ: الْعَرْضُ يَبْقَى زَمَانَيْنِ أَوْ بِنَفْيِ الْخَلَا وَإِثْبَاتِ الْمَلَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. .
[الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ الْحَقَّ فِيهَا وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّد]
الثَّالِثُ - مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ: فَقَالَ الْأَصَمُّ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ: إنَّ الْحَقَّ فِيهَا وَاحِدٌ وَأَنَّ أَدِلَّتَهَا قَاطِعَةٌ، فَلِذَلِكَ مَنْ تَعَدَّى الْحَقَّ فِيهَا فَهُوَ مُخْطِئٌ وَآثِمٌ، فَكَيْفَ بِمَسَائِلِ الْعَقَائِدِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْمَذْهَبُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ حُجَّةً، وَكَذَلِكَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْعُمُومَاتُ كُلُّهَا، فَالْحُجَجُ الْمُثْبِتَةُ لِكَوْنِ هَذِهِ حُجَّةً يَلْزَمُهَا بُطْلَانُ هَذَا الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا جُمْهُورُ الْأُمَّةِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَلَّتِي لَا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَهِيَ الَّتِي أَدِلَّتُهَا قَاطِعَةٌ فِيهَا، فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا مِنْ دِينِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِ الزِّنَى وَالْخَمْرِ، وَالْمُخْطِئُ فِي هَذَا كَافِرٌ لِتَكْذِيبِهِ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ. وَمِنْهَا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، كَجَوَازِ بَيْعِ الْحَصَا، وَتَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ وَالْمُخْطِئُ فِي هَذِهِ آثِمٌ غَيْرُ كَافِرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute