وَأَمَّا الَّتِي يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فَهِيَ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا، كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَنَفْيِ وُجُوبِ الْوِتْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا عُدِمَتْ فِيهَا النُّصُوصُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَمُضَتْ فِيهَا الْأَدِلَّةُ وَيُرْجَعُ فِيهَا إلَى الِاجْتِهَادِ، فَلَيْسَ بِآثِمٍ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ عِوَضِهَا امْتِحَانًا مِنْ اللَّهِ لِعِبَادِهِ، لِيَتَفَاضَلَ بَيْنَهُمْ فِي دَرَجَاتِ الْعِلْمِ وَمَرَاتِبِ الْكَرَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١] {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦] . وَعَلَى هَذَا يَتَأَوَّلُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» فَعَلَى هَذَا النَّوْعِ يُحْمَلُ هَذَا لِلَّفْظِ دُونَ النَّوْعِ الْآخَرِ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا وَالْمُرَادُ خَاصًّا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ، هَلْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ؟ وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ فَنَقُولُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي جَمِيعِهَا، وَأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ، وَمُصِيبٌ فِي الْحُكْمِ، لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمِيعِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْجَمِيعِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ بِخُرَاسَانَ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّ مَنْ أَدَّى اجْتِهَادَهُ إلَى حُكْمٍ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ مُخَالَفَتُهُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute