للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْإِجْمَاعُ فِي الْعُصُورِ الْمُتَأَخِّرَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ الْإِجْمَاعُ فِي الْعُصُورِ الْمُتَأَخِّرَةِ هَلْ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا؟ لَا نَصَّ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَصْرَنَا هَلْ يَخْلُو عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَخْلُو، فَلَا شَكَّ فِي انْعِقَادِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: خِلَافٌ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَنْعَقِدُ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُجْتَهِدُونَ فِي الْمَذَاهِبِ وَنَاظِرُونَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَتَرَقَّوْا إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ مَسْأَلَةَ اعْتِبَارِ الْعَوَامّ فِي الْإِجْمَاعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُجَّةَ الْإِجْمَاعِ، إمَّا مِنْ السَّمْعِ وَهُوَ عَدَمُ اجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافِهِ، أَوْ مِنْ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَنَّ الْجَمَّ الْغَفِيرَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى قَاطِعٍ، وَهَؤُلَاءِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَهَذَا الْمَوْجُودُ فِيهِمْ.

ظُهُورُ الْإِجْمَاعِ وَانْتِشَارُهُ فِي الْعَصْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَظْهَرَ فِي الْعَصْرِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَهْلُ الْعَصْرِ الثَّانِي، وَقَدْ يُقْتَرَنُ ظُهُورُهُ بِالْعَمَلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ جَمِيعًا. فَأَمَّا ظُهُورُهُ بِالْقَوْلِ إذَا وُجِدَ صَحَّ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ بِهِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ الْفِعْلُ، لِيَكْمُلَ فِي نَفْسِهِ. قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ حُجَجَ الْأَقْوَالِ آكَدُ مِنْ حُجَجِ الْأَفْعَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>