وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ يُفْهِمُ أَنَّ الْكَذِبَ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي إذْ قَالَ: لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، وَضَعَّفَ سُؤَالَ مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: غَدًا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ كَاذِبًا، وَالْكَذِبُ حَرَامٌ، فَكَيْفَ لَا يُوجِبُونَ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ؟ فَقَالَ: وَالْحَالَةُ هَذِهِ آيَةٌ أَنَّهُ حَاكِمٌ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَلَا كَذِبَ فِيهِ، وَالْوَعْدُ إنْشَاءٌ لَا خَبَرٌ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى مَنْ لَمْ يَفِ بِالْوَعْدِ مُخْلِفًا لَا كَاذِبًا، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَقِّ الْمُنَافِقِ: «إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» ، فَسَمَّاهُ مُخْلِفًا، لَا كَاذِبًا، وَلَوْ كَانَ الْإِخْلَافُ كَذِبًا دَخَلَ تَحْتَ عُمُومِ «إذَا حَدَّثَ كَذَبَ» . وَقَدْ يُقَالُ: إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ الْكَذِبُ، لَا يَكُونُ خَبَرًا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ مَا يُفِيدُ الْكَذِبَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَبَرَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا تَقُولُ: سَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ، وَيَصِحُّ فِيهِ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ، وَالْوَعْدُ إنْشَاءٌ لَا خَبَرٌ.
[الثَّالِثُ الْخَبَرُ مَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْكَلَامِ الَّذِي لَهُ خَارِجٌ عَنْ كَلَامِ النَّفْسِ]
الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُمْ: الْخَبَرُ مَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْكَلَامِ الَّذِي لَهُ خَارِجٌ عَنْ كَلَامِ النَّفْسِ أَمْ يَجْرِي فِي لَفْظِ " خَ بَ رَ "؟ وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي الثَّانِي، فَجَعَلُوهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مَخْصُوصًا بِالصِّدْقِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ هَذَا النَّوَى فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ التَّمْيِيزَ، فَلَا يَكْتَفِي بِأَيِّ عَدَدٍ كَانَ، إنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْإِخْبَارِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْحَاوِي ": أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِشَارَةِ وَالْخَبَرِ، فِيمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الصِّدْقُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِمَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبِشَارَةِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا فِي الْخَبَرِ فَكَلَامُهُمْ مُخْتَلِفٌ فِيهِ، فَقَدْ قَالُوا فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِمَجِيءِ زَيْدٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَجِيئِهِ كَاذِبَةً أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ؛ لِوُجُودِ الْإِخْبَارِ بِقُدُومِهِ، وَهُوَ لَا يَشْتَرِطُ فِيهِ الْمُطَابَقَةَ.
وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute