[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ]
فَصْلٌ
فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا مِنْهَا: شَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ تَعَدِّي الْعِلَّةِ مِنْ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى حُكْمِ النَّصِّ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي غَيْرِهِ كَتَعْلِيلِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْقَاصِرَةَ إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا صَحَّ التَّعْلِيلُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ بَرْهَانٍ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ نَقَلَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْصُوصَةً أَوْ مُسْتَنْبَطَةً؛ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً فَهِيَ مَحْضُ الْخِلَافِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَنَقَلَهُ فِي " الْحَاوِي " عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الْمَنْعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فِي " الِاصْطِلَامِ "، لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا جَذَبَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ إلَى فَرْعِهِ. وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ فَقَالَ: مَنْ يُنْشِئُ النَّظَرَ لَا يَدْرِي أَيَقَعُ عَلَى عِلَّةٍ قَاصِرَةٍ أَوْ مُتَعَدِّيَةٍ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِصِفَةِ الْعِلَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ حَالَةَ إنْشَاءِ النَّظَرِ، فَيَجِبُ النَّظَرُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا قَلِيلُ النَّيْلِ، فَإِنَّ الْخَصْمَ لَا يُنْكَرُ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا تَحَقَّقَ قُصُورُهُ، فَمَا قَوْلُ هَذَا الشَّيْخِ إذَا انْكَشَفَ النَّظَرُ وَالْعِلَّةُ قَاصِرَةٌ انْتَهَى.
وَأَصَحُّهُمَا: وَنَصَرَهُ فِي " الْقَوَاطِعِ " تَبَعًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: إنَّهَا عِلَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ حُكْمَ الْأَصْلِ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَحْمَدَ، لَكِنْ أَبُو الْخَطَّابِ حَكَى عَنْ أَصْحَابِهِمْ مُقَابِلَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْوَجِيزِ ": كَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ الْغُلَاةِ فِي تَصْحِيحِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، وَيَقُولُ: هِيَ أَوْلَى مِنْ الْمُتَعَدِّيَةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute