للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْعَمَلِ بِظَوَاهِر الْأَلْفَاظِ. وَهُوَ ضَرُورِيٌّ فِي الشَّرْعِ، كَالْعَمَلِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ غَالِبُ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ النُّصُوصَ مُعْوِزَةٌ جِدًّا، كَمَا أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ قَلِيلَةٌ جِدًّا. .

[مَسْأَلَةٌ الظَّاهِرُ قِسْمَانِ]

مَسْأَلَةٌ وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا: الْأَلْفَاظُ الْمُسْتَعَارَةُ وَهِيَ الْمَقُولَةُ أَوَّلًا عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ اُسْتُعِيرَتْ لِغَيْرِهِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا، كَاسْتِعَارَتِهِمْ أَعْضَاءَ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ الْحَيَوَانِ. قَالُوا: رَأْسُ الْمَالِ، وَوَجْهُ النَّهَارِ، وَحَاجِبُ الشَّمْسِ، وَعَيْنُ الْمَاءِ، وَكَبِدُ السَّمَاءِ، فَهَذَا الْقِسْمُ إذَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ، حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لِغَيْرِهَا. وَهُوَ الْمَجَازُ، لِأَنَّ الْمَجَازَ فِيهَا لَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهُ، فَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى صَارَ اسْمًا عُرْفِيًّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي كَقَوْلِهِمْ: الْغَائِطُ لِلْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ - كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ هُوَ الظَّاهِرُ، حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَقَدْ يَتَطَرَّقُ إلَى هَذَا الْقِسْمِ الْإِجْمَالُ، فَإِنْ تَسَاوَى الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فِي كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد: ٢٥] فَإِنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا الْعَدْلُ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ احْتِمَالًا يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ - فَيُلْحَقُ بِالْمُجْمَلِ.

وَالثَّانِي: مِنْ أَقْسَامِ الظَّاهِرِ هِيَ: أَلْفَاظُ الْعُمُومِ، فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ، مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّخْصِيصِ، عَلَى مَا سَبَقَ هُنَاكَ.

وَأَمَّا التَّأْوِيلُ: فَهُوَ لُغَةً: الْمَرْجِعُ مِنْ آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ، أَيْ رَجَعَ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِيَالَةِ وَهِيَ السِّيَاسَةُ. يُقَالُ: فُلَانٌ آيِلٌ عَلَيْنَا، أَيْ سَائِسُنَا، فَكَانَ الْمُؤَوَّلُ بِالتَّأْوِيلِ، كَالْمُتَحَكِّمِ السَّائِسِ عَلَى الْكَلَامِ الْمُتَصَرِّفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>