وَقِيلَ بَلْ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ كَمَا فَعَلَهُ الْأَقْدَمُونَ أَظْهَرُ مِنْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ قَالَ: يَكُونُ حُجَّةً لَا إجْمَاعًا، إنَّمَا يَتَوَجَّهُ فَرْضُهُ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ مَنْصِبَهُمْ لَا يَقْتَضِي السُّكُوتَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ فِيهِ، وَهَذَا لَا يَجِيءُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ.
كَيْفَ وَالتَّعَلُّقُ هُنَا إنَّمَا هُوَ بِقَوْلِ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السَّاكِتَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ قَوْلٌ، كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَوْلَ صَحَابِيٍّ، فَإِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُمْ عَنْ مِثْلِهِ إجْمَاعًا فَيَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ.
[مَسْأَلَةٌ ظُهُورُ الْإِجْمَاعِ بِالْفِعْلِ وَسُكُوتُ الْآخَرِينَ عَلَيْهِ]
ِ] وَأَمَّا ظُهُورُهُ بِالْفِعْلِ وَحْدَهُ بِأَنْ يَتَّفِقَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى عَمَلٍ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ قَوْلٌ، فَاخْتَلَفُوا عَلَى مَذَاهِبَ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَابِعَةٌ لِإِجْمَاعِهِمْ كَثُبُوتِهَا لِلشَّارِعِ، فَكَانَتْ أَفْعَالُهُمْ كَأَفْعَالِهِ، وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمَنْخُولِ ": إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ ": يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالرِّضَى، وَيُخْبِرُونَ عَنْ الرِّضَى فِي أَنْفُسِهِمْ، فَيَدُلُّ عَلَى حُسْنِ مَا رَضُوا بِهِ، وَقَدْ يُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ، وَتَرْكُ الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وَيَجُوزُ أَنَّ مَا تَرَكُوهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ، وَتَابَعَهُ فِي الْمَحْصُولِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute