وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: الْمَنْعُ، وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي، قَالَ: بَلْ رُبَّمَا أَنْكَرَ تَصَوُّرَهُ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ عَدَدًا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَرْبٍ، فَالتَّوَاطُؤُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ. نَعَمْ، آحَادُهُمْ يَرْتَكِبُونَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَغَايِرَةٍ، وَذَلِكَ لَا يُعَدُّ تَوَافُقًا أَصْلًا، فَإِنْ تَكَلَّفَ مُتَكَلِّفٌ تَصَوُّرَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَلَا احْتِفَالَ بِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ، وَلَيْسَ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ دَلَالَةٌ عَلَى انْتِسَابِهِ إلَى الشَّرْعِ، وَالْقَوْلُ مُصَرِّحٌ بِانْتِسَابِهِ إلَى الشَّرْعِ، فَإِذَنْ لَيْسَ فِي الْفِعْلِ دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِهِ صَوَابًا. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي التَّقْرِيبِ " لِلْقَاضِي التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ، فَقَالَ: كُلُّ مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ يَقَعُ بِوَجْهَيْنِ: إمَّا قَوْلٌ، وَإِمَّا فِعْلٌ، وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ. انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ التَّابِعِينَ لَوْ بَاشَرَ فِعْلًا، فَرُوجِعَ فِيهِ، فَقَالَ: كَيْفَ لَا أَفْعَلُهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ قَبْلَ الْمَشُورَةِ عَلَيْهِ، وَالْعَادَةُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ إذَا اتَّفَقَتْ عَلَى فِعْلٍ، وَتَكَرَّرَ الْفِعْلُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً اُشْتُهِرَ كَوْنُهُ مَعْصِيَةً، وَلَا يَخْفَى، قَالَ إلْكِيَا: وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ، فَلْيُلْتَحَقْ بِمَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّهُ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ. وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: قَوْلُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ: إنَّ كُلَّ فِعْلٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ، كَمَا أَنَّ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَفْعَالِ الرَّسُولِ مَخْرَجَ الشَّرْعِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ الشَّرْعُ، وَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْأَفْعَالِ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ يَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَجِيءِ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَنْقَرِضَ الْعَصْرُ أَوْ لَا، وَمَنْ اشْتَرَطَهُ فِي الْقَوْلِيِّ فَهَاهُنَا أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute