للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْإِفْتَاءُ وَالِاسْتِفْتَاءُ]

ُ (الْمُفْتِي) هُوَ الْفَقِيهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْفِقْهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ اسْمُ الْفَقِيهِ، لِأَنَّ مَنْ قَامَتْ بِهِ صِفَةٌ جَازَ أَنْ يُشْتَقَّ لَهَا مِنْهَا اسْمُ فَاعِلٍ. قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: وَمَوْضُوعُ هَذَا الِاسْمِ لِمَنْ قَامَ لِلنَّاسِ بِأَمْرِ دِينِهِمْ، وَعَلِمَ جُمَلَ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَخُصُوصِهِ، وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَكَذَلِكَ فِي السُّنَنِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَلَمْ يُوضَعْ لِمَنْ عَلِمَ مَسْأَلَةً وَأَدْرَكَ حَقِيقَتَهَا. فَمَنْ بَلَغَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ سَمَّوْهُ هَذَا الِاسْمَ، وَمَنْ اسْتَحَقَّهُ أَفْتَى فِيمَا اُسْتُفْتِيَ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: الْمُفْتِي مَنْ اسْتَكْمَلَ فِيهِ ثَلَاثَ شَرَائِطَ: الِاجْتِهَادُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالْكَفُّ عَنْ التَّرْخِيصِ وَالتَّسَاهُلِ. وَلِلْمُتَسَاهِلِ حَالَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) : أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الْأَدِلَّةِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ وَيَأْخُذُ بِمَبَادِئِ النَّظَرِ وَأَوَائِلِ الْفِكَرِ، فَهَذَا مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْتَى. (وَالثَّانِيَةُ) : أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الرُّخَصِ وَتَأَوُّلِ الشُّبَهِ، فَهَذَا مُتَجَوِّزٌ فِي دِينِهِ، وَهُوَ آثَمُ مِنْ الْأَوَّلِ. فَأَمَّا إذَا عَلِمَ الْمُفْتِي جِنْسًا مِنْ الْعِلْمِ بِدَلَائِلِهِ وَأُصُولِهِ وَقَصَّرَ فِيمَا سِوَاهُ، كَعِلْمِ الْفَرَائِضِ وَعِلْمِ الْمَنَاسِكِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي غَيْرِهِ. وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، لِإِحَاطَتِهِ بِأُصُولِهِ وَدَلَائِلِهِ. وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّ لِتَنَاسُبِ الْأَحْكَامِ وَتَجَانُسِ الْأَدِلَّةِ امْتِزَاجًا لَا يَتَحَقَّقُ إحْكَامُ بَعْضِهَا إلَّا بَعْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى جَمِيعِهَا. انْتَهَى. وَتَجَوَّزَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَجَوَّزَهُ فِي الْفَرَائِضِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا تُبْنَى عَلَى غَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا عَدَاهَا مِنْ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهَا يَرْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. وَهُوَ حَسَنٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>