[هَلْ لِلشَّرْطِ دَلَالَةٌ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ]
وَقَعَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ مِنْ " الْبُرْهَانِ " أَنَّ لِلشَّرْطِ دَلَالَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مُصَرَّحٌ بِهَا، وَهِيَ إثْبَاتُ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ، وَالْأُخْرَى ضِمْنِيَّةٌ، وَهِيَ الِانْتِفَاءُ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا دَلَالَةَ لَهُ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ فِي جَانِبِ الِانْتِفَاءِ خَاصَّةً، وَلَوْ صَحَّ مَا قَالَهُ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ. وَأَمَّا تَمَسُّكُ الْإِمَامِ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: إنْ جِئْتنِي أَكْرَمْتُك، فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ إذَا جَاءَ اسْتَحَقَّ الْإِكْرَامَ؛ لَكِنْ هَلْ ذَلِكَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ لِأَجْلِ الْإِكْرَامِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الشَّرْطِ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ تَطْلُقُ، لَا لِاقْتِضَاءِ الشَّرْطِ ذَلِكَ؛ بَلْ لِلِالْتِزَامِ وَالْإِيقَاعِ مِنْ جِهَةِ الْمُطَلِّقِ، وَهَذَا بِالنَّظَرِ إلَى وَضْعِ اللُّغَةِ. وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْفِقْهِ فَدُخُولُ الدَّارِ لَيْسَ هُوَ سَبَبُ الطَّلَاقِ، إذْ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ تَطْلِيقُ الزَّوْجِ الْمَوْقُوفُ عَلَى الدُّخُولِ.
وَقَدْ طَوَّلَ الْإِبْيَارِيُّ مَعَهُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُنَيِّرِ، وَقَالَ: قَالَ الْإِمَامُ: إنَّ الشَّرْطَ يَدُلُّ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ صَرِيحًا، وَفِي جَانِبِ النَّفْيِ ضِمْنًا، وَمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا رُؤْيَتُهُ الْعِلَلَ تُسْتَعْمَلُ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ كَثِيرًا، فَاعْتَقَدَ أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ عِلَّةٌ. قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي أَعْذَرُ مِمَّنْ رَدَّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ شَرْطٌ حَقِيقَةً قَالَ: وَالْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إنَّمَا هِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَإِلَّا فَالدُّخُولُ لَيْسَ عِلَّةً لِلطَّلَاقِ شَرْعًا.
وَهَذَا الرَّدُّ وَهْمٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الدُّخُولَ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ عِلَّةً لِلطَّلَاقِ شَرْعًا ابْتِدَاءً؛ لَكِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لَهُ بِوَضْعِ الْمُطَلِّقِ وَغَرَضِهِ لِأَنَّهُ قَدْ فَوَّضَ الشَّرْعُ إلَيْهِ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِلَا سَبَبٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ فِي وَضْعِ الْأَشْيَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute