قَالَ: وَدَلَالَةٌ ثَانِيَةٌ عَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَ الْقَرِينَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ يَعْنِي يَجْعَلُ الْجَمِيعَ مَجَازًا، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: عَشْرٌ إلَّا خَمْسَةً فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إقْرَارٌ بِخَمْسَةٍ: وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الدَّلِيلِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ، فَإِنَّهُ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا اتَّصَلَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بُنِيَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَكَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً فِيمَا بَقِيَ وَإِذَا انْفَصَلَ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ لَمْ يُبَيِّنْ فَكَانَ مَجَازًا فِيهِ، وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِينَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ فِي أَنَّ اللَّفْظَ بُنِيَ عَلَيْهَا وَدَالَّةٌ عَلَى مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ يَكُون ثَابِتًا فِيهَا بِاللَّفْظِ لَا بِالْقَرِينَةِ فَيَخْتَارُ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ حَالُهُمَا بِوَجْهٍ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ الْعَامُّ إذَا خُصَّ فَإِمَّا أَنْ يُخَصَّ بِمُبْهَمٍ أَوْ مُعَيَّنٍ]
ٍ فَإِنْ خُصَّ بِمُبْهَمٍ كَمَا لَوْ قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا بَعْضَهُمْ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَفْرَادِ، إذْ مَا مِنْ فَرْدٍ إلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْرَجُ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا صَاعًا مِنْهَا لَا يَصِحُّ، وَمِثْلُهُ فِي " الْمَنْخُولِ " بِمَا لَوْ تَمَسَّكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوِتْرِ بِقَوْلِهِ: افْعَلُوا الْخَيْرَ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ مُجْمَلًا.
وَهَذَا قَدْ ادَّعَى، فِيهِ جَمَاعَةٌ الِاتِّفَاقَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ "، وَالْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ ". وَقَالَ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا كَانَ الْمُخَصَّصُ مُجْمَلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute