عَكَسَ ذَلِكَ فَقَرَّرَ كَوْنَهُ حُجَّةً. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ فَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مَجَازٌ أَمْ حَقِيقَةٌ؟ وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَقْعَدُ وَأَحْسَنُ. السَّادِسُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ احْتَجُّوا بِنُكْتَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِهِ، فَإِنَّهُ يَعْدِلُ بِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِالْقَرِينَةِ، فَيَكُونُ مَجَازًا. قَالَ: وَدَلِيلُنَا أَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ إذَا وَرَدَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ. فَإِذَا وَرَدَ التَّخْصِيصُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُبَيِّنُ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ بِاللَّفْظِ، فَيُخْرِجُهُ عَنْهُ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيمَا بَقِيَ، بَلْ يَكُونُ مَا بَقِيَ ثَابِتًا فِيهِ بِاللَّفْظِ فَحَسْبُ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ مُنَافٍ لِحُكْمِ مَا بَقِيَ مِنْ اللَّفْظِ وَمُضَادٌّ لَهُ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ وَيَثْبُتَ الْحُكْمُ مَعَ مُضَادَّتِهِ وَمُنَافَاتِهِ. قَالَ: وَيَصِيرُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ عِنْدَنَا اسْمَانِ، كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ: أَحَدُهُمَا: حَقِيقَةٌ فِيهِمْ بِمُجَرَّدِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اُقْتُلُوا أَهْلَ الْحَرْبِ، وَالْآخَرُ حَقِيقَةٌ فِيهِمْ بَعْدَ وُجُودِ قَرِينَةٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ، وَلَا يَمْتَنِعُ قَبْلَ هَذَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَعْطَوْا فُلَانًا ثَوْبًا أَبْيَضَ أَوْ أَصْفَرَ. كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً فِي الثَّوْبِ الْأَصْفَرِ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَإِذَا قَالَ: أَعْطُوا ثَوْبًا وَلَا تُعْطُوهُ غَيْرَ الْأَصْفَرِ، كَانَ حَقِيقَةً فِيهِ عِنْدَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ، فَكَذَلِكَ هَذَا.
وَيُخَالِفُ هَذَا اسْتِعْمَالُ اسْمِ الْحِمَارِ فِي الرَّجُلِ الْبَلِيدِ، وَاسْمِ الْأَسَدِ فِي الشُّجَاعِ. لِأَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ يَحْمِلُ عَلَيْهِ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، لَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ الْقَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ وَهِيَ مُمَاثِلَةٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ، فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى مَا أُرِيدَ بِهِ. فَكَانَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ بِالْقَرِينَةِ فَكَانَ مَجَازًا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْعُمُومِ فِي الْخُصُوصِ فَإِنَّ الْقَرِينَةَ مَا بَيَّنَتْ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ. وَإِنَّمَا بَيَّنَتْ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ فَكَانَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمُرَادِ بِنَفْسِهِ لَا بِالْقَرِينَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا بِالْقَرِينَةِ، وَالْقَرِينَةُ مُضَادَّةٌ لَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً فِيمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ لَا مَجَازًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute