للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الطَّرِيقُ الَّذِي تَثْبُتُ الْعَدَالَةُ بِهِ]

ِ] وَإِذَا عَرَفْت أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ طَرِيقِهَا. فَنَقُولُ: تَثْبُتُ عَدَالَةُ الرَّاوِي بِالِاخْتِبَارِ أَوْ التَّزْكِيَةِ. أَمَّا الِاخْتِبَارُ فَهُوَ الْأَصْلُ، إذْ التَّزْكِيَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِهِ، وَاخْتِبَارِ سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ بِطُولِ الصُّحْبَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ سَفَرًا وَحَضَرًا وَالْمُعَامَلَةِ مَعَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ مُوَافَقَةِ الصَّغِيرَةِ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ يُعْثَرْ مِنْهُ عَلَى كَبِيرَةٍ تُهَوِّنُ عَلَى مُرْتَكِبِهَا الْأَكَاذِيبَ وَافْتِعَالَ الْأَحَادِيثِ وَلَا تُسْقِطُ الثِّقَةَ. وَأَمَّا التَّزْكِيَةُ فَبِأُمُورٍ: مِنْهَا تَنْصِيصُ عَدْلَيْنِ عَلَى عَدَالَتِهِ كَالشَّهَادَةِ، وَأَعْلَاهُ أَنْ يَذْكُرَ السَّبَبَ مَعَهُ، وَهُوَ تَعْدِيلٌ بِاتِّفَاقٍ. وَدُونَهُ أَنْ لَا يَذْكُرَهُ، وَإِنَّمَا انْحَطَّ عَمَّا قَبْلَهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ عَلَى قَوْلٍ، وَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ: هُوَ عَدْلٌ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: عَدْلٌ لِي، وَعَلَيَّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: عِنْدَنَا لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: عَدْلٌ مَرْضِيٌّ، وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِمَا، وَهَلْ تَثْبُتُ بِوَاحِدٍ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: لَا، لِاسْتِوَاءِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: هُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِ مَالِكٍ.

وَالثَّانِي: الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهَا نِهَايَةُ الْخَبَرِ. قَالَ الْقَاضِي: وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ وُجُوبُ قَبُولِ تَزْكِيَةِ كُلِّ عَدْلٍ مَرْضِيٍّ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ لِشَاهِدٍ وَمُخْبِرٍ. وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا اثْنَانِ، وَالرِّوَايَةُ يُكْتَفَى فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>