وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الشَّرْطَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَالشَّرْطَ جُمْلَتَانِ صَيَّرَهُمَا حَرْفُ الشَّرْطِ كَلَامًا وَاحِدًا، فَيَتَقَيَّدُ إحْدَاهُمَا بِقَيْدِ الْأُخْرَى وَتَخْصِيصُهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ كَذَلِكَ، وَبِذَلِكَ أَشْبَهَ الشَّرْطُ الِاسْتِثْنَاءَ، فَإِذَا قُلْت: أَكْرِمْ بَنِي فُلَانٍ إنْ كَانُوا عُلَمَاءَ، صَارَ كَقَوْلِك أَكْرِمْ بَنِي فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا جُهَّالًا. وَكَذَا إذَا قَالَ: مَنْ جَاءَك مِنْ النَّاسِ فَأَكْرِمْهُ، وَمَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ. غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إخْرَاجٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالشَّرْطُ يُقَيَّدُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِخْرَاجُ إلَّا عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْفَارِضِ فِي النُّكَتِ ": الِاسْتِثْنَاءُ يُخْرِجُ الْأَعْيَانَ، وَالشَّرْطُ يُخْرِجُ الْأَحْوَالَ. وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: مِنْ حَقِّ الشَّرْطِ أَنْ يَخُصَّ الْمَشْرُوطَ، وَلَيْسَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّمَا يَكُونُ الشَّرْطُ لِلتَّخْصِيصِ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِلَّا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَيُصْرَفُ بِالدَّلِيلِ عَمَّا وُضِعَ لَهُ مِنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَحُكْمُهَا فِي الْعِدَّةِ مَعَ وُجُودِ الرِّيبَةِ وَعَدَمِهَا سَوَاءٌ. وَقَالَ. ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: يَكُونُ تَخْصِيصًا إلَّا أَنْ يَقَعَ مَوْقِعَ التَّأْكِيدِ، أَوْ غَالِبُ الْحَالِ يُصْرَفُ بِالدَّلِيلِ عَنْ حُكْمِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] فَإِنَّ الْخَوْفَ تَأْكِيدٌ لَا شَرْطٌ وَقَوْلُهُ: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٣] .
[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وُجُوبُ اتِّصَالِ الشَّرْطِ فِي الْكَلَامِ]
[الْمَسْأَلَةُ] التَّاسِعَةُ: لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ اتِّصَالِ الشَّرْطِ فِي الْكَلَامِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَقَيُّدُ الْكَلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute