[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ]
ِ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ:
فَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْجُمْ مَاعِزًا لِاسْمِهِ وَلَا لِهَيْئَةِ جِسْمِهِ، وَلَكِنَّ الزِّنَى عِلَّةُ الرَّجْمِ، وَكَذَا الطُّعْمُ عِلَّةُ الرِّبَا دُونَ الزَّرْعِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَمُرَادُهُمَا بِالتَّأْثِيرِ الْمُنَاسَبَةُ وَأَحْسَنُ مِنْ عِبَارَتِهِمَا قَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ: أَنْ يَكُونَ وَصْفُهَا مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى وَصْفٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَكُونُ عِلَّةً لِلتَّخْفِيفِ، وَأَبْطَلْنَا بِذَلِكَ قَوْلَ مَنْ جَعَلَ الرِّدَّةَ عِلَّةً لِإِسْقَاطِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَإِبَاحَةَ الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ فِي السَّفَرِ الَّذِي يَكُونُ مَعْصِيَةً.
وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ التَّعْلِيلَ بِمُجَرَّدِ الْأَمَارَةِ الطَّرْدِيَّةِ. وَالْحَقُّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى حُكْمٍ يَبْعَثُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الِامْتِثَالِ وَيَصِحُّ شَاهِدًا لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": مَعْنَى كَوْنِ الْعِلَّةِ مُؤَثِّرَةً فِي الْحُكْمِ هُوَ الْحُكْمُ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ أَنَّ الْحُكْمَ حَاصِلٌ عِنْدَ ثُبُوتِهَا لِأَجْلِهَا دُونَ شَيْءٍ سِوَاهَا، وَالْمُرَادُ مِنْ تَأْثِيرِهَا فِي الْحُكْمِ دُونَ مَا عَدَاهَا أَنَّهَا جُعِلَتْ عَلَامَةً عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيمَا هِيَ فِيهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ لَا مَحَالَةَ كَالْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُهَا مَعَ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ أَوْ ثُبُوتُ حُكْمِهَا مَعَ انْتِقَائِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إنَّهَا جَالِبَةٌ لِلْحُكْمِ وَمُقْتَضِيَةٌ لَهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَجْمَعَ أَنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَا يُوجِبُهُ فِي حَقِّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَوْنُهَا مُؤَثِّرَةً فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute