للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ يُعْتَبَرُ تَأْثِيرُ الْعِلَّةِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ فِي " اللُّمَعِ ":

أَحَدُهُمَا: فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تُنْزَعُ مِنْ الْأَصْلِ أَوَّلًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يُؤَثِّرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأُصُولِ. قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَحَكَى شَارِحُهُ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: تَأْثِيرُهُ فِي الْأَصْلِ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالثَّانِي: اشْتَرَطَ تَأْثِيرَهَا فِي الْفَرْعِ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَالْأَصْلُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَكْفِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأُصُولِ سَوَاءٌ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ تَأْثِيرَهَا فِي مَوْضِعٍ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَصْفًا ضَابِطًا:

لِأَنَّ تَأْثِيرَهَا لِحِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ لَا حِكْمَةٍ مُجَرَّدَةٍ لِخَفَائِهَا، فَلَا يَظْهَرُ إلْحَاقُ غَيْرِهَا بِهَا، وَهَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا نَفْسَ الْحِكْمَةِ، وَهِيَ الْحَاجَةُ إلَى جَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ؟ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ فِي " الْمَحْصُولِ ": يَجُوزُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَمْتَنِعُ وَاخْتَارَهُ فِي " الْمَعَالِمِ "، وَفَصَّلَ آخَرُونَ فَقَالُوا: إنْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ ظَاهِرَةً مُنْضَبِطَةً بِنَفْسِهَا جَازَ التَّعْلِيلُ بِهَا لِمُسَاوَاةِ ظُهُورِ الْوَصْفِ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَالْهِنْدِيُّ، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا، أَيْ مَظِنَّتِهَا بَدَلًا عَنْهَا، مَا لَمْ يُعَارِضْهُ قِيَاسٌ وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَنْعُ، وَقَالَ: الْحِكْمَةُ مِنْ الْأُمُورِ الْغَامِضَةِ، وَشَأْنُ الشَّرْعِ فِيمَا هُوَ كَذَلِكَ قَطْعُ النَّظَرِ عِنْدَ تَقْدِيرِ الْحُكْمِ عَنْ دَلِيلِهِ وَمَظِنَّتِهِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ الْجَوَازُ وَأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>