وَشَنَّعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى الْفُقَهَاءِ إثْبَاتَهُمْ الْإِجْمَاعَ بِالْعُمُومَاتِ، وَالظَّنِّيَّاتِ، وَاعْتِقَادَهُمْ أَنَّ مُخَالِفَهَا بِتَأْوِيلٍ لَا يُكَفَّرُ، وَلَا يُفَسَّقُ، مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ مُخَالِفَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ يُكَفَّرُ أَوْ يَفْسُقُ، وَهُوَ تَرْجِيحٌ لِلْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ، وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ.
قَالَ الْآمِدِيُّ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ: وَالْمَسْأَلَةُ دَائِرَةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ دَلِيلِ الْأَصْلِ مَقْطُوعًا بِهِ، وَعَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ، فَمَنْ شَرَطَ الْقَطْعَ مَنَعَ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُفِيدًا فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ يَمْنَعْ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، بَلْ هُوَ جَارٍ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيٌّ. وَإِذَا قُلْنَا بِالِاكْتِفَاءِ بِالْآحَادِ فِي نَقْلِهِ كَالسُّنَّةِ، فَهَلْ يُنَزَّلُ الظَّنُّ الْمُتَلَقَّى مِنْ أَمَارَاتٍ وَحَالَاتٍ مَنْزِلَةَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ نَقْلِ الْعُدُولِ، قَالَ الْإِبْيَارِيُّ: فِيهِ خِلَافٌ، وَذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا لِعَمَلٍ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْهَا مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ قَوْلِ الشَّارِعِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ لَفْظِهِ مِمَّا يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُهُ.
[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي اسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْإِجْمَاعِ]
[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ] فِي اسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْإِجْمَاعِ وَفِيهِ مَسَائِلُ. الْأَوَّلُ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى الْخَطَأِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي طَرِيقِهِ. فَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ السَّمْعُ دُونَ الْعَقْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْخَطَأُ عَلَيْهِمْ عَقْلًا، وَلَكِنَّهُ امْتَنَعَ بِالسَّمْعِ، وَقِيلَ: بَلْ امْتَنَعَ عَقْلًا وَسَمْعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute