مَعْنَى قَوْلِنَا: قَامَ زَيْدٌ، حُصُولُ الْقِيَامِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إنَّ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ أَوْ عَدَمُهُ، وَإِنَّمَا احْتِمَالُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ لَا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَرَافِيُّ مُصَادِمٌ لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مَوْضُوعٌ لِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا: قَامَ زَيْدٌ حُصُولُ الْقِيَامِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا مَدْلُولُهُ الْحُكْمِ بِحُصُولِ الْقِيَامِ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ.
[الثَّانِي الْكَذِبَ الْخَبَرُ الْمُخَالِفُ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا]
الثَّانِي: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَذِبَ الْخَبَرُ الْمُخَالِفُ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا، خِلَافًا لِأَبِي الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيِّ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ بِالْمَسَائِلِ النَّحْوِيَّةِ "، وَلِابْنِ قُتَيْبَةَ، حَيْثُ خَصَّا الْكَذِبَ بِمَا مَضَى، وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَيُقَالُ لَهُ: خُلْفٌ، وَلَا يُقَالُ لَهُ: كَذِبٌ. لَنَا قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ الَّذِينَ نَافَقُوا: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر: ١١] وَكَذِبُهُمْ فِي خَبَرِهِمْ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام: ٢٧] إلَى قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٨] وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ يَشْكُوا حَاطِبًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» ، وَفِي جَانِبِ الصِّدْقِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ» فَاسْتَعْمَلَ الصِّدْقَ فِي الْخَبَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، فَالْحَقُّ أَنَّهُ يُوصَفُ بِهِمَا مَاضِيًا وَمُسْتَقْبَلًا، لَكِنْ لَهُ وَصْفٌ خَاصٌّ، وَهُوَ الْخُلْفُ وَالْوَفَاءُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute