للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ بِفُرُوعِ الدِّينِ فَقَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِيهِمْ: إنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا عَلَى حَدِّ تَكْلِيفِ الْإِنْسِ بِهَا، لِأَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْإِنْسَ بِالْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، فَبِالضَّرُورَةِ يُخَالِفُونَهُمْ فِي بَعْضِ التَّكَالِيفِ. مِثَالُهُ. أَنَّ الْجِنَّ قَدْ أُعْطِيَ بَعْضُهُمْ قُوَّةَ الطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِقَصْدِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ لِلْحَجِّ طَائِرًا، وَالْإِنْسَانُ لِعَدَمِ تِلْكَ الْقُوَّةِ لَا يُخَاطَبُ بِذَلِكَ.

هَذَا فِي طَرَفِ زِيَادَةِ تَكْلِيفِهِمْ عَلَى تَكْلِيفِ الْإِنْسِ، فَكُلُّ تَكْلِيفِهِ يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ طَبِيعَةِ الْإِنْسِ يَنْتَفِي فِي حَقِّ الْجِنِّ، لِعَدَمِ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ فِيهِمْ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى تَكْلِيفِ الْجِنِّ بِالْفُرُوعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرْسِلَ بِالْقُرْآنِ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَجَمِيعُ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ يَتَوَجَّهُ إلَى الْجِنْسَيْنِ، وَقَدْ تَضْمَنَّ ذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ الْإِنْسِ مُخَاطَبُونَ بِهَا وَكَذَلِكَ كُفَّارُ الْجِنِّ.

[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُكَلَّفُ بِهِ]

ِ] وَلَهُ شُرُوطٌ [شُرُوطُ الْمُكَلَّفِ بِهِ]

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا مِنْ حَيْثُ هُوَ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ، إذْ إيجَادُ الْمَوْجُودِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْعَدَمَ الْأَصْلِيَّ، إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ أَثَرًا لِلْقُدْرَةِ.

ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بِكَسْبِ الْمُكَلَّفِ، فَلَا يَصِحُّ أَمْرُ زَيْدٍ بِكِتَابَةِ عَمْرٍو، وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى هَذَا بِإِلْزَامِ الْعَاقِلَةِ دِيَةَ خَطَأِ وَلِيِّهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ رَبْطِ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ.

ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَالْمُخَالِفُ فِيهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ: ذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>