[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ]
مَسْأَلَةٌ.
الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَجَعَلُوا بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ وَالْحُكْمِ بِالنَّفْيِ وَاسِطَةً، وَهِيَ عَدَمُ الْحُكْمِ، وَنُقِلَ فِي " الْمَعَالِمِ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْخِلَافُ فِي الثَّانِي. وَاخْتَارَ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ " الْمَعَالِمُ "، وَفِي " تَفْسِيرِهِ الْكَبِيرِ " فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ فِي " الْمَحْصُولِ ".
وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى مِنْ الْوِفَاقِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ عِنْدَهُمْ مَوْجُودٌ كَمَا ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّ الْمَأْخَذَ الَّذِي ذَكَرُوهُ مَوْجُودٌ فِيهِمَا، وَهُوَ أَنَّ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالنَّفْيِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ وَاسِطَةً، وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ، وَتَرْكُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إذْ الْوَاسِطَةُ حَاصِلَةٌ.
نَعَمْ، يَلْزَمُ النَّفْيُ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْإِثْبَاتِ عِنْدَهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اقْتَضَى ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا كَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ أَنَّ الدِّرْهَمَ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِاللُّزُومِ، لَا أَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِعَدَمِ اللُّزُومِ، وَحِينَئِذٍ فَعَدَمُ اللُّزُومِ لَازِمٌ لَهُ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ.
وَلَعَلَّ الْإِمَامَ لِهَذَا السَّبَبِ خَصَّصَ الْخِلَافَ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إذْ لَا يَظْهَرُ لِلْخِلَافِ فِي الْإِثْبَاتِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّ النَّفْيَ ثَابِتٌ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنَّ الْمَأْخَذَ مُخْتَلِفٌ، فَعِنْدَنَا بِسَبَبِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَعِنْدَهُ بِسَبَبِ الْبَقَاءِ عَلَى الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ. فَمِنْ هُنَا ظَنَّ عَدَمَ خِلَافِهِ فِيهَا، وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مِنْ جِهَةِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute