وَذَلِكَ أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ، يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْحُكْمِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِخِلَافِ السُّكُوتِ عَنْ النَّفْيِ إذْ لَا مُقْتَضَى مَعَهُ لِلْإِثْبَاتِ، فَهُوَ يَحْمِلُ كَلَامَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ، وَكَلِمَةَ التَّوْحِيدِ عَلَى عُرْفِ الشَّارِعِ.
قُلْت: وَالْحَنَفِيَّةُ مُوَافِقُونَ لِنُحَاةِ الْكُوفَةِ، إذْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ قَوْلَك: قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا، مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ فِيهِمْ زَيْدٌ، وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِقِيَامٍ وَلَا بِنَفْيٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ كُوفِيٌّ، فَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُهُ كَذَلِكَ، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَدَاةَ أَخْرَجَتْ الِاسْمَ الثَّانِيَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَحُكْمَهُ مِنْ حُكْمِهِ.
وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُتَّصِلِ، لَا فِي الْأَعَمِّ مِنْ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ؛ بَلْ حَكَى الْقَرَافِيُّ فِي " الْعِقْدِ الْمَنْظُومِ " عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ أَجْرَوْا ذَلِكَ فِي التَّامِّ وَالْمُفَرَّغِ، نَحْوُ: مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ، قَالُوا: زَيْدٌ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِالْإِثْبَاتِ، وَالْمَعْنَى مَا قَامَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ. قَالَ: وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُعْرِبُوهُ بَدَلًا لَا فَاعِلًا، وَيَكُونُ الْفَاعِلُ مُضْمَرًا، وَتَقْدِيرُهُ مَا قَامَ أَحَدٌ، فَلَا يَكُونُ زَيْدٌ فَاعِلًا. وَالنُّحَاةُ لَا يُجِيزُونَ حَذْفَ الْفَاعِلِ، نَحْنُ نَقُولُ: زَيْدٌ فَاعِلٌ بِالْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ السَّابِقِ قَبْلَ إلَّا، وَهُوَ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ عَدَمُ الْقِيَامِ، فَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute