وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ قَوْله تَعَالَى: {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} [النبأ: ٣٠] وَاحْتَجَّ الْخَصْمُ بِوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِك ثَنَيْت الشَّيْءَ عَنْ جِهَتِهِ، إذَا صَرَفْته عَنْهَا فَإِذَا قُلْت: لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ، فَهُنَا أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: هَذَا الْحُكْمُ
وَالثَّانِي: نَفْسُ الْعَدَمِ فَقَوْلُك إلَّا زَيْدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى الْأَوَّلِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ تَحَقُّقُ الثُّبُوتِ؛ إذْ الِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يُزِيلُ الْحُكْمَ بِالْعَدَمِ، فَيَبْقَى الْمُسْتَثْنَى مَسْكُوتًا عَنْهُ غَيْرَ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ نَفْيٌ وَلَا إثْبَاتٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى الثَّانِي، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَحَقُّقُ الثُّبُوتِ، لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْعَدَمِ يُحَصِّلُ الْوُجُودَ لَا مَحَالَةَ، لَكِنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى، إذْ الْأَلْفَاظُ وُضِعَتْ دَالَّةً عَلَى الْأَحْكَامِ الذِّهْنِيَّةِ، لَا عَلَى الْأَعْيَانِ الْخَارِجِيَّةِ، فَثَبَتَ أَنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى
الثَّانِي: مَا جَاءَ مِنْ وَضْعِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، «وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ» وَالْمُرَادُ فِي الْكُلِّ مُجَرَّدُ الِاشْتِرَاطِ. قَالَ: وَالصُّوَرُ الَّتِي دَلَّ فِيهَا عَلَى الْإِثْبَاتِ، يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَفَادًا مِنْ اللَّفْظِ، بَلْ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَأَجَابَ عَنْ الدَّلِيلِ السَّابِقِ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُ الْإِثْبَاتَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، لَكِنَّهَا تُفِيدُهُ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الشَّرِيكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute