للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ]

وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَنَّ مُعْظَمَ نَظَرِ الْأُصُولِيِّ فِي دَلَالَاتِ الصِّيَغِ، كَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَأَحْكَامِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَدَلِيلِ الْخِطَابِ وَمَفْهُومِهِ.

فَاحْتَاجَ إلَى النَّظَرِ فِي ذَلِكَ تَكْمِيلًا لِلنَّظَرِ فِي الْأُصُولِ، وَنَسِمُهُ بِمُقَدِّمَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: تَعَلُّمُ اللُّغَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ: تَعَلُّمُ عِلْمِ اللُّغَةِ وَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ لِئَلَّا يَحِيدُوا فِي تَأْلِيفِهِمْ أَوْ فُتْيَاهُمْ عَنْ سُنَنِ الِاسْتِقْرَاءِ.

قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحَاجَةُ إلَى عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّ الْإِعْرَابَ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَعَانِي، أَلَا تَرَى إذَا قُلْت: مَا أَحْسَنَ زَيْدٌ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالنَّفْيِ إلَّا بِالْإِعْرَابِ؟ . وَنَازَعَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ " فِي كَوْنِهِمَا فَرْضَ كِفَايَةٍ، لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ.

قَالَ: وَاللُّغَةُ وَالنَّحْوُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ فِي كُلِّ عَصْرٍ أَنْ يَقُومَ بِهِ قَوْمٌ يَبْلُغُونَ حَدَّ التَّوَاتُرِ، لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الشَّرْعِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِوَاسِطَةِ مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ، وَالْعِلْمُ بِهِمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، فَإِنَّهُ لَوْ انْتَهَى النَّقْلُ فِيهِ إلَى حَدِّ الْآحَادِ لَصَارَ الِاسْتِدْلَال عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْعِ اسْتِدْلَالًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الشَّرْعُ مَظْنُونًا لَا مَقْطُوعًا، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.

الثَّانِيَةُ: نَبَّهَ الْإِبْيَارِيُّ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى شَيْءٍ يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهُ هُنَا، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>