أَنَّ الْأُصُولِيَّ إنَّمَا احْتَاجَ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ لِيَفْهَمَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ بِالْأُصُولِيِّ إلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ وَالْأَلْفَاظِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ افْتَقَرْنَا إلَى تَقْدِيمِ أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ هَلْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي اللُّغَةِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ ثَبَتَ عَدَمُ التَّصَرُّفِ اكْتَفَى الْأُصُولِيُّ بِمَعْرِفَةِ وَضْعِ اللُّغَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُقْنِعٌ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ ثَبَتَ تَصَرُّفُ الشَّرْعِ اكْتَفَى الْأُصُولِيُّ بِمَعْرِفَةِ وَضْعِ الشَّرْعِ لِلِاسْمِ وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَإِنْ عَرَفَ وَضْعَ اللُّغَةِ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ هَلْ لِلشَّرْعِ تَصَرُّفٌ فِي الِاسْمِ أَمْ لَا؟ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ لَهُ وَضْعُ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا إنَّ الْفُقَهَاءَ قَلَّ مَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى الْأَلْفَاظِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللُّغَةِ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ تَصَرُّفَ الشَّرْعِ فِي الْأَسْمَاءِ فَتَرَاهُمْ يَجْنَحُونَ إلَى الْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ مُكْتَفًى بِهِ وَمُضَافٌ إلَيْهِ، وَعُرْفُ اللُّغَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عِنْدَ احْتِمَالِ التَّغْيِيرِ لَا يُفِيدُ.
[مَادَّةُ اللُّغَةِ وَمَقْصُودُهَا وَمَوْضُوعُهَا] وَيَتَعَلَّقُ النَّظَرُ بِمَادَّتِهَا وَمَقْصُودِهَا وَمَوْضُوعِهَا.
أَمَّا مَادَّتُهَا: فَتَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِينَ، إمَّا التَّوْقِيفُ أَوْ الِاصْطِلَاحُ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي، وَأَمَّا فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَهُمْ فَمَادَّتُهَا النَّقْلُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وَأَمَّا مَقْصُودُهَا: فَالتَّشْبِيهُ بِأَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ فِي إعْلَامِ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ.
وَأَمَّا مَوْضُوعُهَا: فَالْأَلْفَاظُ وَمَا يَعْرِضُهَا لِذَاتِ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ مَا يَبْحَثُ اللُّغَوِيُّ عَنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ إمَّا فِي حَالِ الْإِفْرَادِ كَكَوْنِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا أَوْ مُشْتَرَكَةً أَوْ مُتَرَادِفَةً أَوْ مُتَبَايِنَةً، وَكَكَوْنِ فَاءِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَوْ عَيْنِهَا أَصْلِيًّا أَوْ مَقْلُوبًا عَنْ غَيْرِهِ صَحِيحًا أَوْ مُعْتَلًّا مَفْتُوحًا أَوْ مَضْمُومًا أَوْ مَكْسُورًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute