للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ الْعُمُومُ الْمُؤَكَّدُ بِكُلٍّ وَنَحْوِهَا هَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ]

مَسْأَلَةٌ

الْعُمُومُ الْمُؤَكَّدُ (بِكُلٍّ) وَنَحْوِهَا هَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ.

أَحَدُهُمَا: لَا، وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَازِرِيُّ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ التَّأْكِيدَ يَنْفِي التَّجَوُّزَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْبَعْضَ. وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤] فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِلْعُمُومِ لَمَا قَالَ: (هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) . وَهَذَا يَدْخُلُ فِي الْمَجَازِ لَا فِي التَّخْصِيصِ. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، بِدَلِيلِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «فَأَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلَّا أَبَا قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ» ، فَدَخَلَهُ التَّخْصِيصُ مَعَ تَأْكِيدِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: ٣٠] {إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: ٣١] إنْ جَعَلْنَا الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلًا، فَإِنْ قِيلَ: التَّأْكِيدُ هُنَا مُقَدَّرٌ حُصُولُهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَالْمُؤَكَّدُ هُنَا إنَّمَا هُوَ غَيْرُ الْمُخْرَجِ. قُلْنَا: كَيْفَ يَفْعَلُ بِقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} [طه: ٥٦] ، وَالِاسْتِغْرَاقُ فِيهِ مُتَعَذِّرٌ، لِأَنَّ آيَاتِ اللَّهِ لَا تَتَنَاهَى؟ قَالَ الْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ ": وَمِمَّا زَلَّ فِيهِ النَّاقِلُونَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَمُتَّبِعِيهِ أَنَّ صِيغَةَ الْعُمُومِ مَعَ الْقَرَائِنِ تَبْقَى مُتَرَدِّدَةً، وَهَذَا إنْ صَحَّ يُحْمَلُ عَلَى مَوَانِعِ الْعُمُومِ، كَالصِّيَغِ الْمُؤَكَّدَةِ. انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يَرْفَعُ احْتِمَالَ التَّخْصِيصِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ أَيْضًا، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: يَجُوزُ التَّخْصِيصُ الْمُؤَكِّدُ، وَمَثَّلَهُ بِالْآيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>