الرَّابِعُ: فِي مُقَدِّمَاتِ مَا يَتَقَدَّمُ الْأَمْرُ بِهِ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ الْأَوْقَاتِ.
قَالَ: وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا تَعَلَّقَ بِأَوَامِرِ اللَّهِ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ الْخِلَافُ، لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عِنْدَنَا عَلَى الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِمَا لَا غَايَةَ لَهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَلِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا نُوجِبُهَا.
[تَقَدَّمَ الْأَمْرُ عَلَى وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ]
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّقْرِيبِ ": قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: الْأَمْرُ قَبْلَ حُدُوثِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَمْرُ إيجَابٍ وَإِلْزَامٍ، وَلَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الِاقْتِضَاءَ وَالتَّرْغِيبَ وَالدَّلَالَةَ عَلَى امْتِثَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ.
قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الْحَقِّ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةً إذَا قَارَنَ حُدُوثَ الْفِعْلِ، وَإِذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَمْرُ إنْذَارٍ، وَإِعْلَامُ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْوُقُوعِ، وَهَذَا بَاطِلٌ.
وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ: تَحَقُّقُ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْحُدُوثِ وَفِي حَالِ الْحُدُوثِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالَتَانِ فِي أَمْرٍ. وَهُوَ أَنَّهُ حَالَةُ الْمُقَارَنَةِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ لَكِنْ لَا يَقْتَضِي تَرْغِيبًا وَاقْتِضَاءً، بَلْ يَقْتَضِي كَوْنُهُ طَاعَةً بِالْأَمْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ.
وَزَعَمَتْ الْقَدَرِيَّةُ بِأَسْرِهَا: أَنَّ الْفِعْلَ فِي حَالِ حُدُوثِهِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ. وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَمْرُ إلَّا قَبْلَ وُجُودِهِ. ثُمَّ طَرَدُوا مَذْهَبَهُمْ فِي جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَمْ يَصِفُوا كَائِنًا يَحْظُرُ، وَلَا وُجُوبَ وَلَا نَدْبَ، وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا هَذِهِ الْأَحْكَامَ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْحُدُوثِ، ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ الَّذِي سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَمِنْهُ أَخَذَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ.
وَاخْتَارَ الرَّازِيَّ: أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَكُونُ أَمْرًا حَالَ الْفِعْلِ، وَقَبْلَهُ إعْلَامٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute