أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا سُلِكَ فِي اقْتِنَاصِهِ الْقِسْمَةُ أَوْ التَّرْكِيبُ، وَكَانَ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ تَصَفُّحِ جَمِيعِ ذَاتِيَّاتِ الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ وَحْدَهُ كَانَ الْحَدُّ الْمُقْتَنَصُ بِهَذَا الطَّرِيقِ مَعْلُومًا، فَأَوَّلُ الْعَقْلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّلِيلِ، فَإِذَنْ اقْتِنَاصُ الْحَدِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي طَلَبِ الْبُرْهَانِ مِنْ وَسَطٍ يُحْمَلُ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ حَدٌّ لَهُ لَا عَلَى أَنَّهُ جِنْسٌ لَهُ وَلَا فَصْلٌ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عَلَى أَنَّهُ حَدٌّ لَهُ أَيْضًا. مِثَالُهُ: أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ حَدَّ الْعِلْمِ الْمَعْرِفَةُ، فَيُقَالَ لَنَا: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ طَلَبِ وَسَطٍ يُحْمَلُ عَلَى الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ حَدٌّ لَهُ، وَتُحْمَلُ الْمَعْرِفَةُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا حَدٌّ لَهُ أَيْضًا وَلْيَكُنْ ذَلِكَ الْحَدُّ الِاعْتِقَادَ. فَنَقُولُ: لِكُلِّ عِلْمٍ بِالِاعْتِقَادِ يُؤْخَذُ لَهُ عَلَى أَنَّهُ حَدٌّ، وَكُلُّ اعْتِقَادٍ يُؤْخَذُ الْعِلْمُ لَهُ عَلَى أَنَّهُ حَدٌّ، فَالْمَعْرِفَةُ تُؤْخَذُ لَهُ عَلَى أَنَّهَا حَدٌّ. فَإِذَنْ كُلُّ عِلْمٍ فَالْمَعْرِفَةُ تُؤْخَذُ لَهُ عَلَى أَنَّهَا حَدٌّ، فَيُنَازَعُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مُقَدِّمَتَيْ هَذَا الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّهَا حَدٌّ، وَيُطْلَبُ الْبُرْهَانُ كَمَا طُلِبَ عَلَى الْحَدِّ الْأَوَّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُبَيِّنَهَا بِدَلِيلَيْنِ. فَيُنَازَعُ أَيْضًا فِي كُلِّ مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَتَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِك الدَّلِيلَيْنِ. فَإِمَّا أَنْ يَتَسَلَّلَ الْأَمْرُ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِمَّا أَنْ يَقِفَ عِنْدَ أَمْرٍ بَيِّنٍ بِنَفْسِهِ.
[مَسْأَلَةٌ صُعُوبَةُ الْحَدِّ]
ِّ] ادَّعَى ابْنُ سِينَا أَنَّ الْحُدُودَ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute