للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: فِي مَدْلُولِ نِسْبَةِ الْأَفْعَالِ إلَى فَاعِلِهَا، فَنَقُولُ: الْفِعْلُ تَارَةً يُرَادُ بِهِ وُقُوعُهُ مِنْ فَاعِلِهِ حَقِيقَةً، أَوْ قُدْرَةُ الْفَاعِلِ، كَقَوْلِنَا: خَلَقَ اللَّهُ زَيْدًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ فِعْلٍ نُسِبَ إلَى اللَّهِ، وَتَارَةً يُرَادُ بِهِ وُقُوعُهُ مِنْ فَاعِلِهِ حُكْمًا كَقَوْلِنَا: قَامَ زَيْدٌ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - هُوَ الْفَاعِلُ، وَلَكِنَّ الْقِيَامَ مَنْسُوبٌ فِعْلُهُ لِزَيْدٍ حُكْمًا، وَتَارَةً يُرَادُ بِمُجَرَّدِ اتِّصَافِهِ بِهِ كَقَوْلِنَا: مَرِضَ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا تَسَبُّبَ فِيهِ، كَبَرْدِ الْمَاءِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْإِسْنَادُ فِيهَا حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ لَهَا، وَلَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى الْإِسْنَادِ إلَى الْمُوجِدِ، وَالْإِسْنَادُ لِغَيْرِ الْمُوجِدِ لَا يُنَافِي الْحَقِيقَةَ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحَقِيقَةِ إلَّا مَا وَضَعَتْ الْعَرَبُ بِإِزَائِهِ، وَالْعَرَبُ تَقْصِدُ النِّسْبَةَ لِهَذِهِ الْأُمُورِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ تَبَادُرِ الذِّهْنِ إلَى الْإِسْنَادِ مِنْ غَيْرِ الْمُوجِدِ، إنَّمَا الْمَجَازُ التَّرْكِيبِيُّ النِّسْبَةُ لِغَيْرِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَمَعْنَى نِسْبَةِ الشَّيْءِ لِغَيْرِ فَاعِلِهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَلَا بِمَعْنَى اتِّصَافِهِ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَأَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ، فَإِنَّ الرَّبِيعَ لَيْسَ بِمُنْبِتٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَلَا مُتَّصِفٍ بِذَلِكَ فِي وَضْعِ الْعَرَبُ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: إنْ فَرَّعْنَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ الْمُرَكَّبَاتِ مَوْضُوعَةٌ فَالْمَجَازُ فِي التَّرْكِيبِ لُغَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إسْنَادٌ لِغَيْرِ مَوْضُوعِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً فَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ عَقْلِيٌّ لَا مَدْخَلَ لِلُّغَةِ فِيهِ، فَمِنْ هُنَا جَاءَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ التَّرْكِيبِيَّ عَقْلِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ.

[مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ قَدْ يَكُونُ بِالْأَصَالَةِ أَوْ التَّبَعِيَّةِ]

ِ] الْمَجَازُ الْوَاقِعُ فِي الْكَلَامِ قَدْ يَكُونُ بِالْأَصَالَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ لَا يَدْخُلُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>