وَاعْلَمْ أَنَّ فِي عَدِّ هَذَا مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ نَظَرًا، لِأَنَّهُ طَلِيعَةُ جَيْشِهَا وَلَيْسَ مِنْ أَقْسَامِهَا، إذْ الِاعْتِرَاضُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُخْدَشُ بِهِ كَلَامُ الْمُسْتَدِلِّ، وَالِاسْتِفْسَارُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، بَلْ هُوَ يَعْرِفُ الْمُرَادَ وَيُبَيِّنُ لَهُ لِيَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، فَإِذَا هُوَ طَلِيعَةُ السُّؤَالِ، فَلَيْسَ بِسُؤَالٍ. بَلْ حَكَى الْهِنْدِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْجَدَلِيِّينَ أَنْكَرَ كَوْنَهُ اعْتِرَاضًا، لِأَنَّ التَّصْدِيقَ فَرْعُ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُنَازَعِ. تَنْبِيهٌ:
أَطْلَقُوا أَنَّ عِلَّتَهُ الْبَيَانُ. وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ الْمُعْتَرِضُ مُتَعَنِّتًا يَقْصِدُ تَغْلِيطَ خَصْمِهِ، فَإِنْ كَانَ اكْتَفَى مِنْهُ بِالْجَوَابِ الْمُجْمَلِ. وَهَذَا كَمَا حُكِيَ عَنْ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ الرُّوحِ، وَهُوَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقُرْآنِ، وَجِبْرِيلَ، وَعِيسَى، وَمَلَكٌ يُقَالُ لَهُ (الرُّوحُ) ، وَرُوحُ الْإِنْسَانِ. وَأَضْمَرُوا أَنَّهُ إنْ قَالَ لَهُمْ: الرُّوحُ مَلَكٌ قَالُوا: بَلْ هُوَ رُوحُ الْإِنْسَانِ. وَإِنْ قَالَ: رُوحُ الْإِنْسَانِ قَالُوا: بَلْ هُوَ مَلَكٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُسَمَّيَاتِ الرُّوحِ، فَعَلِمَ اللَّهُ مَكْرَهُمْ فَأَجَابَهُمْ مُجْمِلًا كَسُؤَالِهِمْ بِقَوْلِهِ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥] وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْمُسَمَّيَاتِ الْخَمْسَةِ وَغَيْرَهَا. هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْإِيضَاحِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ " وَقَالَ: هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي الْإِجْمَالِ، لَا أَنَّ حَقِيقَتَهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لِلْبَشَرِ، إذْ قَدْ دَلَّتْ قَوَاطِعُ الشَّرْعِ عَلَى تَعْيِينِهَا، فَقَدْ يُجْمِلُ الْمُسْتَدِلُّ لَفْظًا احْتِيَاطًا لِنَفْسِهِ فِي مَيْدَانِ النَّظَرِ، بِحَيْثُ إنْ تَوَجَّهَ سُؤَالُ الْمُعْتَرِضِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْ اللَّفْظِ تَخَلَّصَ مِنْهُ بِتَعْيِينِ كَلَامِهِ بِالْمَعْنَى الْآخَرِ.
[التَّاسِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]
التَّاسِعُ: فَسَادُ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ، لَا لِفَسَادٍ فِيهِ، بَلْ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ، أَوْ كَانَ إحْدَى مُقَدِّمَاتِهِ كَذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْحُكْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute