للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تَفْرِيعُ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ]

التَّفْرِيعُ إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ فُرُوعٌ: (مِنْهَا) : أَنَّهُ هَلْ يَقْطَعُ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ وَخَطَأِ الْمُخَالِفِ، أَمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِهِ؟ وَجْهَانِ: " أَصَحُّهُمَا "، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، اعْلَمْ إصَابَتَنَا لِلْحَقِّ وَاقْطَعْ بِخَطَأِ مَنْ خَالَفَنَا وَمَنْعِهِ مِنْ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ، غَيْرَ أَنِّي لَا أُؤَثِّمُهُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يُقْطَعُ فِيهِ بِالْإِصَابَةِ، وَإِلَى مَا لَا يَدْرِي أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ، بِحَسَبِ الْأَدِلَّةِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ تَصَرُّفُ أَصْحَابِنَا فِي نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ.

وَ (مِنْهَا) : أَنَّ الْمُخْطِئَ هَلْ يُقَالُ: إنَّهُ مَعْذُورٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) - وَنَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ -: نَعَمْ وَ (الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ فُورَكٍ: لَا. وَ (مِنْهَا) اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ حُكْمًا مُعَيَّنًا هُوَ مَقْصِدُ الطَّالِبِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ نَصَبَ عَلَيْهِ دَلِيلًا أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ دَفِينٍ يُعْثَرُ [عَلَيْهِ] ، فَمَنْ عَثَرَ عَلَيْهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ نَصَّبَ عَلَيْهِ دَلِيلًا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا الدَّلِيلُ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ، فَحَكَى الْقَاضِي عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ: أَنَّهُ قَطْعِيٌّ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَالْمَرِيسِيِّ وَجَمِيعِ نُفَاةِ الْقِيَاسِ، إلْحَاقًا لِلْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ هَذَا الْخِلَافِ بِأَنَّهُ: هَلْ دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ أَوْ الْعَقْلُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي مُخْطِئِ هَذَا الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ هَلْ هُوَ مَأْثُومٌ مَحْطُوطٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>