الْمَقْصُودُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا وَاحَدَا، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ الْمَأْمُورِ غَيْرُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ فَقَالَ لِعَبِيدِهِ: اُطْلُبُوهُ. فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْأَمْرِ وُجُودُ الْآبِقِ، وَمِنْ الْعَبِيدِ طَلَبُهُ فَحَسْبُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوهُ فَمَا ذَمَّهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَتَوَانَوْا فِيهِ فَكَذَا هُنَا.
- وَبِالثَّانِي أَجَابَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ، كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَوْا عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ، وَزَعَمَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي " الرِّسَالَةِ " وَفِي " كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ " وَفِي " رِسَالَةِ الْمَصْرِيِّينَ " مُحْتَمَلٌ، وَأَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ كَلَامِهِ وَالْأَشْبَهَ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ أَمْثَالِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. وَتَابَعَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ: لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّخْصِيصِ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ النَّقَلَةُ عَنْهُ فِي اسْتِنْبَاطِهِمْ مِنْ كَلَامِهِ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ نُصُوصُهُ فِي " الرِّسَالَةِ " وَغَيْرِهَا طَافِحَةٌ بِهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي - الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ، وَيُحْكَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الرَّازِيَّ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ. وَالثَّالِثُ - التَّفْصِيلُ بَيْنَ قِيَاسِ الْعِلَّةِ وَقِيَاسِ الشَّبَهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ إلْكِيَا فِي النَّقْلِ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهَا عَنْهُ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " قَالَ: زَلَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَظَنُّوا أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ كَانَ يَسُوغُ لَهُ مُخَالَفَةُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَلِهَذَا قَالَ: مَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مَقِيسٌ عَلَيْهِ إلَّا وَاحِدٌ فَالْحَقُّ فِيهِ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ دَلِيلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا مَا تَجَاذَبَهُ أَصْلَانِ فَأَكْثَرُ فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ فِيهِ مُصِيبُ.
قُلْت: وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute