للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَقَالَ مَا قَالَ عَنْ شَهَوَاتِهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ ": الْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمْ يُصِيبُ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ، وَالْبَاقُونَ يُصِيبُونَ الْحَقَّ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ. وَحَكَى ابْنُ فُورَكٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمُجْتَهِدَ مُصِيبٌ عِنْدَ اللَّهِ عِنْدِي. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ خِلَافٍ، لِأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ أَنَّ كُلًّا مُصِيبٌ عِنْدَ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ " عِنْدِي " وَلِذَلِكَ يَقُولُ: إنَّ الْمُخَالِفَ لَهُ مُصِيبٌ عِنْدَ اللَّهِ عِنْدَهُ، فَهَذَا كَلَامٌ لَا حَاصِلَ لَهُ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِنَا ثَلَاثُهُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهِيَ الْأَشْهَرُ: إثْبَاتُ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَهِيَ الَّتِي حَكَاهَا أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصَحُّهُمَا - وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ - أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْمُورٌ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ فُورَكٍ فِي كِتَابَيْهِمَا: إنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي " كِتَابِ الْقَضَاءِ " وَفِي " الرِّسَالَةِ ": وَكُلُّ مُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ فَالْحَقُّ فِي وَاحِدٍ مِنْ قَوْلِهِمَا.

قَالَا: هَذَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِأَشْيَاءَ أَطْلَقَهَا وَكَانَ مُرَادُهُ فِيهَا مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ. انْتَهَى. وَهَذَا مَا حَكَاهُ الْأَشْعَرِيُّ بِخُرَاسَانَ عَنْهُ وَعَنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَنِسْبَةُ هَذَا إلَى الْأَشْعَرِيِّ أَشْهَرُ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَغَيْرُ الْحَقِّ لَا يُؤْمَرُ بِالْعَمَلِ بِهِ. وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَقُولُ: الْحُكْمُ وَالْحَقُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، أَوْ يَقُولُ: الْحَقُّ وَاحِدٌ وَهُوَ أَشْبَهُ مَطْلُوبٌ، إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَلَّفٌ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ لِإِصَابَةِ الْأَشْبَهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْغَزَالِيُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ. قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>