قَوْمٌ: الْجَمِيعُ حَقٌّ عَلَى التَّسَاوِي. وَقَالَ قَوْمٌ: الْوَاحِدُ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَحَقُّ، وَسَمُّوهُ (تَقْوِيمَ ذَاتِ الِاجْتِهَادِ) وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْفِقْهِ: وَالْكَلَامُ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ ثُمَّ افْتَرَقُوا فَقَالَ قَوْمٌ: إذَا لَمْ يُصِبْ الْمُجْتَهِدُ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ كَانَ مُخْطِئًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، حَتَّى أَنَّ عَمَلَهُ لَا يَصِحُّ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: كَانَ مُخْطِئًا لِلْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ مُصِيبًا فِي حَقِّ عَمَلِهِ حَتَّى لَوْ عَمِلَهُ يَقَعُ بِهِ صَحِيحًا شَرْعًا. كَأَنَّهُ أَصَابَ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِيُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ: كُلٌّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ، فَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي أَخْطَأَ مَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مُصِيبٌ فِي حَقِّ عَمَلِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الطُّرُقِ: إذَا تَلَاعَنَ الزَّوْجَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. فَجَعَلَ قَضَاءَهُ فِي حَقِّهِ صَوَابًا مَعَ قَوْلِهِ إنَّهُ مُخْطِئُ الْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَهَذَا قَوْلُ التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالنَّقْصِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْقَوْلُ بِالْأَشْبَهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُ مُصِيبًا فِي اجْتِهَادِهِ مُخْطِئًا فِي حُكْمِهِ، قَالُوا: وَمَا كُلِّفَ الْإِنْسَانُ إصَابَةَ الْأَشْبَهِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَحُكِيَ الْقَوْلُ بِالْأَشْبَهِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ أَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَالنَّاسُ بِطَلَبِهِ مُكَلَّفُونَ إصَابَتَهُ، فَإِذَا اجْتَهَدُوا وَأَصَابُوا حُمِدُوا وَأُجِرُوا. وَإِنْ أَخْطَئُوا عُذِرُوا وَلَمْ يَأْثَمُوا. إلَّا أَنْ يُقَصِّرُوا فِي أَسْبَابِ الطَّلَبِ. وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْحَقُّ، وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ يَقُولُ: إنَّهُ مَأْجُورٌ فِي الطَّلَبِ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ وَإِنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ، وَمَعْذُورٌ عَلَى خَطَئِهِ وَعَدَمِ إصَابَتِهِ لِلْحَقِّ. وَقَدْ يُوجَدُ لِلشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ وَمُنَاظَرَاتِهِ مَعَ خُصُومِهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اجْتَهَدَ فَقَدْ أَصَابَ. وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ أَصَابَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ بَلَغَ عِنْدَ نَفْسِهِ مَبْلَغَ الصَّوَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ عَيْنَ الْحَقِّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إلَّا مَا قُلْنَاهُ، وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute