[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَة إذَا وَرَدَ اللَّفْظُ الْعَامُّ ثُمَّ وَرَدَ عَقِيبَهُ تَقْيِيدٌ بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرُهُ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ
إذَا وَرَدَ اللَّفْظُ الْعَامُّ، ثُمَّ وَرَدَ عَقِيبَهُ تَقْيِيدٌ بِشَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ حُكْمٍ، وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعُمُومُ، فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْعُمُومِ ذَلِكَ الْبَعْضَ أَوْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ فَقَطْ، وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ، فَقَالَ: بَلْ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى عُمُومِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِبَعْضِ حُكْمِ الْأَوَّلِ. قَالَ: وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوَافِقُنَا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَإِنْ خَالَفَنَا فِي مِثْلِ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» . انْتَهَى.
وَجَزَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ "، وَالْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَسُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ "، وَابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ "، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ سُلَيْمٌ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا خَالَفَهُ فِي اعْتِبَارِ مَسَائِلَ خُصَّ عُمُومُ أَوَّلِهَا بِخُصُوصٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» الْحَدِيثُ. فَحَمَلَ أَوَّلَ الْحَدِيثِ عَلَى الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَجْلِ آخِرِهِ. لَنَا أَنَّ الْعَامَّ إنَّمَا يُخَصُّ بِمَا يُنَافِيه. قُلْت: وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْآيَةَ فِي الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْكُفَّارِ، وَأَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] الْآيَةُ فَدَلَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. وَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى الْوَقْفِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute