شَرْعِيًّا، اعْتِبَارًا بِلَفْظِهِ. حَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " اللُّمَعِ " وَشَرْحِهَا "، وَسُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ "، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ "، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْخَبَرِ إلَّا إذَا كَانَ مُرَادًا بِهِ الْأَمْرُ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَجُوزُ نَسْخُ الْأَمْرِ وَإِنْ وَرَدَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْأَخْبَارِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِاخْتِصَاصِ الْأَخْبَارِ بِالْإِعْلَامِ، وَاخْتِصَاصِ الْأَوَامِرِ بِالْإِلْزَامِ. .
[النَّسْخُ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ]
الثَّالِثُ: النَّسْخُ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، نَقَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ عَنْ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ مَنْعَ النَّسْخِ فِيهِمَا. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَكَذَلِكَ فِي الْوَعْدِ لِأَنَّهُ إخْلَافٌ، وَالْخُلْفُ فِي الْإِنْعَامِ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِهِ. وَأَمَّا الْوَعِيدُ كَآخِرِ الْبَقَرَةِ فَنَسْخُهُ جَائِزٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. قَالَ: وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ خُلْفًا، بَلْ عَفْوًا وَكَرَمًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَطَّانِ السَّابِقِ جَوَازُ نَسْخِهِمَا.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَعِيدَ هَلْ هُوَ خَبَرٌ مَحْضٌ؟ أَوْ هُوَ مَعَ ذَلِكَ إنْشَاءٌ؟ كَصِيَغِ الْعُقُودِ الَّتِي تَقْبَلُ النَّسْخَ، لِكَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ إرَادَةِ الْمُتَوَعِّدِ وَعَزْمِهِ؟ كَالْخَبَرِ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْمُتَضَمِّنِ خَبَرَهُ عَنْ طَلَبِهِ الْمُتَضَمِّنِ إرَادَتَهُ الشَّرْعِيَّةَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤] عَظُمَ ذَلِكَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، فَلَمَّا ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، نَسَخَهَا اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] » .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute